يقول الكوميدي العالمي شارلي شابلن: "كنت صبيا بصحبة أبي متوجهين لمشاهدة عرض للسيرك وفي صف قطع التذاكر كانت أمامنا عائلة بانتظار دورها، كانوا ستة أولاد وأمهم وأبيهم، كان الفقر بادياً عليهم، ملابسهم قديمة لكنها نظيفة، كان الأولاد فرحين جداً وهم يتحدثون عن السيرك وعن الحركات والألعاب التي سوف يشاهدونها وعن الطريق الطويل التي قطعوها مشيا على الأقدام وعن توقعاتهم عن ما سوف يشاهدونه، كانت السعادة على وجوههم وكأنهم يملكون كل الدنيا وبعد أن جاء دورهم تقدم الأب وسأل مسؤول التذاكر عن كلفتها فأجابه فتلعثم الأب وأخذ يهمس في أذن زوجته أن المبلغ لا يفي بحق التذاكر وليس كما توقع، كانت الأم منكسرة حد البكاء، يقول شارلي: رأيت والدي يسارع لإخراج عملة ورقية فئة العشرين ويرميها على الأرض ثم انحنى ورفعها ووضع يده على كتف الرجل وقال له لقد سقطت منك هذه النقود، نظر الرجل في عين والدي وقال له شكراً سيدي وقد امتلأت عيناه بالدموع، حيث كان مضطراً لأخذ المبلغ لكي لا يحرج أمام أبنائه.
وبعد أن دخلوا سحب أبي يدي وتراجعنا من الطابور لأن والدي لم يكن معه غيرها ومنذ ذلك اليوم وأنا فخور جدا بأبي وتعلمت معنى العطاء في مواسم البهجة، لقد كان ذلك العرض أجمل عرض للسيرك في حياتي وإن كنت لم أره".
هذا اللون من العطاء هو الصوم الحقيقي، حين تعطي من حاجتك إسعاد الآخرين، وغيره مجرد جوع لا قيمة له.
يأتي رمضان هذا العام واليمن يعيش أشدّ طور من أطوار الأزمة والحرب ويشهد انسداداً في الأفق سياسياً واقتصادياً واجتماعياً، تبدو الأزمة الاقتصادية ومعركة الخبز هي أم المعارك التي يخوضها الشعب كل يوم دون مساندة.
أزمة الاقتصاد هي الأكثر كارثية وهي تضرب كلّ يوم الطبقات الأكثر فقراً في بلد يعدّ ثلثا سكانه تحت خطّ الفقر وربعه مهاجرون منفيوون وسكّان أريافه، الأشد حاجة وعناء.
ومع شدّة هذه الأزمات، ووقعها، ليس هناك اهتمام ملموس من قبل الهيئات الدولية يتناسب وحجم الأزمة، ويبقى الضمير الجمعي للمجتمع هو الرهان على سد بعض احتياجات الفقراء ومساندتهم، ولنا من شارلي شابلن درس مستفاد في العطاء دون مقابل في مواسم البهجة..