يقال إن "النعامة" كانت تمتلك أجمل أذنين بين الحيوانات، لكنها لم تقنع بهذه المزية، وتمنت لو كان لها بدل أذنيها الجميلتين، قرنان قويان، حتى تكون قادرة على المناطحة، فذهبت بطلبها إلى ملك الغابة "الأسد" فاستسخفها، وأكل أذنيها وطردها.!
وهذه هي تقريبا قصة تعز، كانت هذه المدينة، محفوفة بالأمن والسلام، عامرة بالمثقفين والفنانين والتجار، والمكتبات والمصانع، والصحف والكتاب.. كانت بحق عاصمة الثقافة والفن والاقتصاد في اليمن.
لكنها أرادت، أو بتعبير أدق، أريد لها أن تكون عاصمة للمناطحة، أولاً عاصمة الثورة، وبعد فشل الثورة عاصمة للمقاومة، فرمت بالفن والثقافة والعمل والتجارة.. جانبا، وحكّمت العنف والسلاح، فأصبحت عاصمة الفوضى والإرهاب.!
كانت هذه المدينة الحالمة، قبل أن تنقسم بين بين، وتُحكم بأسوأ النماذج من الطرفين، تحتضن المواهب والإبداعات، وتستورد السكر والورق والأقلام، وتنتج الكُتّاب والسياسيين، وتصدر المعلمين والحلويات.. ثم، باتت هذه الخرابة الغارقة بالقمامة والمسلحين، وعلى حساب كل ما كانت عليه، تحتضن البلاطجة والمأزومين، وتستورد الأسلحة والذخائر، وتنتج القتلة والإرهابيين، وتصدر الأزمات والنازحين والذباب الإلكتروني.!
كوميديا سوداء، في ظلها تمت التضحية، بأيوب طارش وعبد الباسط عبسي وهاشم علي والفضول وحمود الصوفي وشوقي هائل وأمين محمود.. من أجل عيون سالم وحمود المخلافي وغزوان وحردون وماجد الأعرج وصدام المقلوع.!.
كان لتعز ألف نافذة، على البر والبحر والجو، واليوم، ومنذ ثماني سنوات. حتى الممرات بين أحياء هذه المدينة المحاصرة مسدودة، ولا يوجد إلى خارجها سوى منفذ وحيد ضيق وعر شاسع محفوف بالمخاطر، وكثيرا ما يؤدي إلى الآخرة.!
وفوق كل ذلك هناك من يحسد تعز اليوم، على أن رؤساء الجمهورية والحكومة والبرلمان منها، أنا أحسدكم على خفتكم، خذوا هؤلاء الثلاثة الرؤساء، وردوا تعز مثل ما كانت. قبل أن يصح عليها المثل العربي الشهير: "مثل النعامة، خرجت تطلب قرنين، فعادت بلا أذنين.!".