يقال إن أقدم وأقوى عاطفة بشرية هي الخوف ، وأقدم وأقوى أنواع الخوف : الخوف من المجهول !
هناك مجتمعات يقودها الخوف أكثر من غيرها . وهناك أماكن تبعث على عدم اليقين بما يحمله الغد أكثر من سواها .
بعد ثمان سنوات ، مازال الصراع في اليمن يوصف بالحرب المنسية . صراع يحدث في بلد غير معروف إلى حد كبير ، وعدا عن السمعة التي التصقت به كمكان للجماعات الارهابية ، والازمات الانسانية الحادة ، فانه يفتقر إلى السمات التي تجذب الانتباه الدولي .
الواضح أن تراجع الاهتمام بأزمة أي بلد من بلدان ماتوصف بالعالم الثالث ، يعني بالضرورة تضاءل الاهتمام بأزماته الإنسانية .
أخر مؤتمر للمانحين تمكن فقط من جمع أقل من ثلث الأموال اللازمة . وهذا يعد مؤشرا واضحا لتراجع الاهتمام الدولي بالأزمة الانسانية في اليمن .
فرص السلام تتضاءل عاما بعد أخر ، بينما لا تشهد الظروف المعيشية الصعبة للغاية أي تحسن حقيقي.
هذا يجعل اليمن تجسيدًا لفشل الحرب والسلام معًا . وعلى الرغم من عدم اشتعال النزاع المسلح بالكامل ، فأن الأزمة الإنسانية مرشحة بأن تستمر وربما تتفاقم ، في ظل عدم إهتمام دولي كافي ، وتضارب الأهداف . والصعوبة الشديدة في بناء الثقة . الخطر هو أنه في مثل هذا السيناريو ، سوف تتعامل الأسرة الدولية مع اليمن كما فعلوا مع الصومال المجاور ، كدولة فاشلة يصعب إنقاذها .
لكن ماهي أعراض هذا الفشل في الحالة اليمنية ؟ وإلى متى يمكن أن يستمر ؟
يواجه اليمن عوائق كثيرة أنتجها التخلف الاجتماعي والثقافي ، والتعصب الآيديولوجي والديني.. وساهمت الحرب باحراق الخيوط التي تربط المكونات الاجتماعية .
هذا في وقت ماتزال فيه السلطات القائمة تضع المصلحة الخاصة قبل المصلحة العامة، وتطبق الأجندات المتجزأة أو المبعثرة لحصد المنافع الشخصية . وحتى الان لم يتم إتخاذ إجراءات إقتصادية فعالة لمنع المزيد من التدهور في الخدمات الأساسية ، وما تزال المحاصصة والمحسوبية والاجندة السياسية تجعل من إمكانية إصلاح الإقتصاد المنهك ، ومكافحة الفساد أمرا بعيد المنال
حتى لو عادت أطراف الأزمة إلى هدنة جديدة فالهدنة ليست غاية في حد ذاتها. إذ أنها يمكن أن تؤدي إما إلى توقف مؤقت لإطلاق النار ، أو فصل جديد من الحرب . سقط من اليمنيين في الفقر أكثر ممن سقطوا في جبهات القتال ، وهذا ما يجعل من نزع فتيل الحرب الاقتصادية أمرا ملحا للغاية .
بعد ثمان سنوات اصبح الإعتقاد السائد بأن الحرب لن تسفر عن نصر كلي لأي طرف . ولا أحد مؤهل لأن يحكم البلاد بكفاءة عالية . مثلما لا أحد يستطيع أن يفرض السلام بمفرده . ومن السهل تحديد الخاسرين في هذه الأزمة ، إنهم الملايين من المواطنين البسطاء الخائفين من المجهول .. والذين أصبحوا يتطلعون اليوم أكثر من اي وقت مضى لنهاية الحرب ، ولكي لا تتحول بلدهم لدولة فاشلة يصعب إنقاذها .