من المعروف أن الحروب تولد نخبا وطنية، نخبا تدرك خطورة ما تساق إليه أوطانهم إلا نحن اليمنيين، فإننا لا نتعلم ولا نستخلص النتائج ولا نتعلم من التجارب. والمصيبة لم تكمن فقط بالقيادات السياسية التي باتت متورطة حتى النخاع بالارتزاق والتبعية مبتعدة عن التفكير بالمسؤولية، فهي لا ترى موقعها إلا سلما تصل من خلاله لمن يدفع أكثر، غير آبهة بحال وطنها.
ولكن ماذا عن دور أساتذة الجامعات ومثقفي اليمن ممن ظلوا يتحدثون عن أهمية قيام الدولة المدنية، دولة الحرية والعدالة، دولة يسودها القانون؟! هل تبخرت أحلامهم وسكن الخنوع قلوبهم وعقولهم؟! يبدو أنهم لا يختلفون عمن كنا نراهم قيادات حزبية وسياسية وطنية، لتتضح الأحداث أنهم إنما شلة من الانتهازيين والمتسلقين ممن لا يرون الوطن إلا "كبري" يصلهم بباب سفراء الدول المتصارعة في اليمن.
ولكم هو محزن ونحن نشاهد حجم الإفلاس داخل هذا الوطن وعدم قدرة أبنائه المثقفين على تبني رؤية أكثر أفق مبنية من واقع بائس يعد سببا رئيسيا لإيقاظ الهمم نحو رفض ما يمر به وطن هم أبناؤه وفيه مستقبل أبنائهم.
ولا أدري لماذا يسمح اليمني للمرض أن يتغول وينحدر نحو الانتشار بعمق داخل جسده؛ رغم أن كل شيء بات واضحا وجليا لدى المواطن البسيط ممن لا يفقه ألف باء السياسة بأن دعاة الحرب لا مشروع ولا رؤية لهم، ودورهم لا يتعدى أدوات سخرت نفسها لتحقيق أجندة الأجنبي والأخ العربي، ممن لا يؤمنون بأن يكون لنا بلد مستقر وآمن، فهم لا يريدون لنا إلا أن نظل بلدا ممزقا تتسع فجوته نحو الانقسام والتناحر.
فالدولة لا يأتي بها الحليف، وليس من أولوياته استعادة الدولة ولن يضحي ليسلمك سلطة إلا وفق مصالحه، إنها سياسة المصالح والنفوذ، فكيف للحليف أن يكون أكثر حرصا من المعني بوطنه طالما هو نفسه لا يرى الوطن إلا في إطار أجندة الأجنبي؟!
فهو لا يرى السلطة إلا غنيمة تخدم مطامعه ليسخرها لخدمة من منحه السلطة وليس لخدمة شعبه، يدرك أن موقعه جلبه الأجنبي والعربي وليس الشعب. ولهذا لن يكون مهتما بما يطالب به الشارع. وليس للشارع اليمني أولوية في حساباته السياسية، ما لم يدرك أن هناك نخبة سياسية تحمل على عاتقها مسؤولية وطن ولن تسمح بأي مساومة خارج المصلحة الوطنية.
فمن يعمل وفق ىجندة الأجنبي لا يمكن له أن يحمل مسؤولية شعب ولا يهمه إلى أين يتجه، ولا ما هي الأزمات التي يعاني منها، بقدر ما يهمه كيف يقدم نفسه خادما مطيعا لولاية الفقيه لا لليمن