مهاد..
انتفاضة مهسا أميني في إيران هي موجة غاضبة من موجات مستمرة تنضد فعل التغيير كل عام أو عامين..
صحيح أنها لم تصل إلى غايتها حتى الآن، لكن بتراكم النقاط ستسقط العمامة يوماً ما.
على الأرجح لن تسقط العمامة بضربة قاضية ولكن بهذا التراكم الكمي والكيفي الذي يصنعه الشعب الإيراني الذي هو ضحية نظام الولي الفقيه كما هو حال شعوب المنطقة.
المبتدأ..
هناك مؤشرات عن تآكل النظام من داخله وإن كان ببطء، من تلك المؤشرات مطالبة بعض عتاولة النظام من التيار الإصلاحي وغيره بضرورة تغيير النظام من أمثال الرئيس السابق للجمهورية محمد خاتمي ورئيس الوزراء السابق مير حسين موسوي، وغيرهم، وذلك يدل قطعاً أنّ أمراً ما تغيّر في العمق منذ بدأ التحرّك الشعبي الواسع منذ شهور.
وسقوط نظام الخميني سيخلف لا شك آثاراً وأثماناً باهظة، لكنها أقل من كلفة وجوده.. هذه الأثمان والضريبة مستحقة وحتمية،
ذلك أن الأنظمة الدينية الديكتاتوريات عموماً تخلف بعدها فترات شاقة وتحفر في الوجدان عميقاً، وتؤسس لمزارع أحقاد قادمة يصعب الخلاص منها سريعاً لكنها تمحى بتقادم الأيام ومن خلال العمل على تصفية ما ترسخ في الوجدان من هذه الكوارث..
الخبر..
اندلعت انتفاضة مهسا أميني الفتاة الكردية التي قتلتها شرطة الأخلاق في إيران منتصف شهر سبتمبر 2022. والآن بعد مرور أشهر على اندلاع تلك الانتفاضة يبدو الأمر قيد الاحتواء، كما أن النظام أفرط في القمع لكبت الحراك، لكن هناك نار تحت الرماد ستأتي بالجديد رغم الاحتواء والقمع.
نجح نظام الخميني في قمع التظاهرات وحاول إقامة علاقات وتنازلات مع كثير من طبقات المجتمع، كما عزز ماكنته الإعلامية وحوزاته الدينية لإذكاء النعرة الفارسية، أو الهوية الدينية، أو الركيزة العقائدية الشيعية، أو حجة الاستقرار وسط عواصف العالم والإقليم. وشكل ضعف المعارضة رصيداً للنظام في مقاومة مد الموجة التي نزلت إلى الشارع، كما أن عدم توافر دعم مادي للمتظاهرين ساهم بخفوت الشارع، كما شكل عدم ظهور شخصية توحد صفوف المعارضة سبباً إضافياً في عدم بلوغ الموجة نهايتها، لكنها ستعود بشكل أقوى ومختلف.
الجملة..
سلطة ولاية الفقيه أقوى مما يظن البعض، غالباً تحتاج إلى ضربة عسكرية أو انشقاق للنظام يدعم حركة الشارع كي يسقط النظام الذي يتوزع بين ثلاث مكونات رئيسة تشترك في المرجعية الخمينية وهم أركان النظام مهما اختلفوا في التفاصيل، وهم على النحو الآتي: المحافظون، الحرس الثوري، الإصلاحيون.
غالباً لا تظهر المنافسة بين مكونات النظام الخميني بشكل واضح ولكنها باتت أمراً واقعاً يزداد حدة مع تردي الأوضاع في البلاد.
مكونات النظام الثلاثة يدركون وحدة مصيرهم الذي لا يتيح لأحدهم التخلي عن الآخر. لكن بوادر انشقاق المكون الثالث، الإصلاحيين، ليست بعيدة.
السياق..
تفضل أمريكا والغرب عموماً احتواء الإصلاحيين وإيران من خلالهم وتريد أن تتيح للخمينيين فرصة ترتيب بيتهم الداخلي، والإمساك مجدداً بكل مفاصل البلاد وتحويل إيران من عدو مؤكد إلى حليف محتمل.
على سبيل الختم
أصبح واضحاً الآن أن هناك تحدياً لهيمنة نظام الملالي من خلال الشارع غير المنظم الذي رمى الخوف خلف حوائط السجن وكسر قيود عبوديته بدافع الكرامة والعيش الكريم يحركهم الغضب على إهدار ثروة البلاد في التسلح النووي والصرف على الصواريخ الباليستية التي تُمنح لعصابات الحوثيين وحزب الله وسوريا والعراق والصومال... وغيرها.
قد يستغرق الأمر وقتاً طويلاً لإسقاط نظام الخميني ويحتاج إلى تضحيات كبيرة، لكنه لن يكون مستحيلاً قياساً إلى ما كان عليه الكثير من الأنظمة القمعية في العالم لا سيما وأن الشعب الإيراني تجاوز وتجاوزت المرأة الإيرانيّة مسألة الحجاب إلى فضاء أوسع يتعلّق بالمواطنة ورفضه البقاء في أسر نظام عزل بلداً كبيراً عن العالم وعمل على معاداة كل محيطه.
لن يستطيع النظام التصالح مع الشعب الإيراني أو خديعته مجدداً مهما بذل من تنازلات، فالموجات قادمة والسقوط حتمي لكن يحتاج المزيد من الوقت ليس إلا.
ومن نافلة القول إن أي تغيير يطرأ على سقوطه سيعني الكثير يمنياً وسورياً وعراقياً ولبنانياً، حيث المصدات الخمينية والمحميات التي يغذيها ويستقوي بها.