في بلد يعج بالآلهة والاثنيات والقوميات والثقافات والديانات تمتزج التباينات بألوانها وتفاصيلها لترسم لوحة الوطن الاكبر من أن يقاس بحجمنا العربي الموبوء بالاختلافات وأحلام التشظي والتقزم والشتات..
في بلد هو الهند تتجسد حقيقة الحياة بروعتها وقسوتها، بجمالها وقبحها، بأفراحها وأحزانها، بهدوئها وضجيجها، وفي الهند وليس غير الهند تتجسد حقيقة التسامح وتسمو القيم والاخلاقيات والمثل الانسانية وتتجلى مبادئ التعايش في أجمل وأبهى صورها..
هكذا هي الهند وطن الانسان الأول ومهده القديم ولوحة التنوع الابدي باختلافاتها وتبايناتها وتناقضاتها، تظل الانموذج الأجمل لوحدة الأرض والإنسان ووحدة الخارطة والكيان السياسي من أدنى نقطة فوق سطح البحر إلى النقطة الأبعد والأعلى فوق سقف العالم..
في الهند الوطن القارة تنعدم الجهات وتتوحد الوجهات السياسية ولا وجود فيها لشمال سياسي أو جنوب أو شرق وغرب، هناك في بلد الإثنيات والقوميات المتعددة ليس سوى الهند ووحدها الهند جهة الهند الاكبر من كل الجهات ولأنها كذلك كانت وستظل مسكونة بالتنوع والتسامح والآلهة المتسامحون والبشر المتسامحون والديانات والثقافات المتسامحة والساسة المتسامحون والمبادئ التي تتجسد قيمها في كل ذلك الاتساع الموحد الخالي من الشذوذ والتطرف الفكري والسياسي والاحلام التي ترسم الحدود وتصنع من الحواري دولا وأنظمة وحكومات..
وحدها الهند الوطن القارة ستظل بلداً موحداً ليس بقوة الدولة ونفوذ سلطاتها وجبروت قوانينها وإنما لأن أحداً من فقراء الهند أو اغنياء الهند أو مهراجات الهند وساستها وأحزابها لا يؤمن بغير الهند ولا يمكنه العيش في هندٍ بلا نهر الغانج أو هندٍ بلا مسلمين أو هندٍ بلا هندوس أو هندٍ بلا تاج محل أو هندٍ لا يتشارك فيها الهوية والخارطة مع طاغور والمهاتما غاندي وجلال اكبر وممتاز محل وانديرا غاندي واميتاب باتشان.
هكذا هي الهند الارض والخارطة والهوية والانسان، القوميات والاحزاب، الساسة والسياسات، وطن يؤمن به الجميع ولا تختلف حوله السياسات والاجندات والأهداف والأحلام.
كم نحن أقزامٌ أمام عظمة الشعوب والبلدان وكم هي بلادنا موجعة ومرهقةً وبائسة جراء سياساتنا الخالية من المنطق والعقل والوطنية وروح الانتماء.. وكم هي بلادنا في حاجة لساسة يحبونها ويخلصون لها ويحرصون على تجسيد حقيقة الانتماء إليها وإسكانها القلب والضمير والوجدان.
كبيرة هي الهند لكن يستحيل علينا رغم كل ذلك الإتساع الجغرافي والبشري إيجاد فرداً واحد في أكثر من مليار وثلاثمائة مليون نسمة يسعى أو يفكر ويحلم بتقسيم الهند أو يتخيل الهند موزعة في أكثر من هند أو مسكونة بأكثر من شعب، لكنك في اليمن لن تجتهد كثيراً وستجد في ثلاثين مليون نسمة - الكثير ممن لا يتفقون مع ما يتفق عليه سكان الهند..
ورغم وحدة الدين والدم والهوية والعادات والتقاليد والتاريخ والجغرافيا سيفاجئك اليمنيون بأكثر من خارطة وأكثر من توجه وفي المساحة التي لا تقارن بمساحة بلدٍ كالهند ستجد أكثر من بلد وأكثر من وطن وأكثر من سلطنة وأكثر من شعب، وستجد من التطلعات والاحلام ما يكفي لتقسيم اليمن والعالم العربي إلى دويلات بعدد القبائل والاحزاب.
ربما يمكننا قراءة المشهد السياسي في بلدين مختلفين كالهند واليمن لكن بأي مقياس يمكننا قياس الفرق..؟!! وحتى وإن حاولنا فسندرك في النهاية أن النملة لا تقاس ولا تقارن بالفيل..!! وأن رقي الأحلام والآمال التي تسكن قلوب وضمائر ساسة الهند ويتطلعون ويعملون ويجتهدون من أجل تحقيقها يستحيل مقارنتها بأحلام مجموعة من الساسة المسكونين بالخيانة والأفكار الانفصالية والاحلام النشاز، ولا نجد لديهم من الحلول والمعالجات لما تعاني منه اليمن سوى المزيد من الجروح والآلام ولا يجيدون سوى الفرار من الشتات والضياع إلى شتات وضياعٍ جديد.