الحرب والأحداث السياسية ألقت بظلالها وتبعاتها على كل المضامين الوطنية والاقتصادية والاجتماعية ومفاهيم الولاء الوطني، الذي صار يعاني العقم.
وتفرق الناس، كل حزب بما لديهم فرحون، وغاص الوطن والمواطن في معمعة المكايدات والتقيحات السياسية، وصار الجميع يعيشون تذبذبات وعقما في الرؤية الواضحة.
وامتدت هذه التذبذبات حتى وصلت إلى منابر العلماء، التي بدورها تحولت إلى أبواق حزبية أحادية الرؤية، وتسعى إلى نصرة أجندة ومذاهب محددة، بعيداً عن روح الإسلام والتآخي والنصح لله وللوطن والشعب ولحال البلد، الذي يتراجع إلى الخلف ملايين الخطوات وغدا معلقا بخيط عنكبوت واهن يكاد أن ينقض ولم يجد من يقيمه بعد..
صار العالِم متأرجحا بين الولاء لحزبه ولمذهبه وبين دوره الحقيقي كناصح وواعظ وداعية للخير والسلام، الدور الذي يفرض عليه أن ينتهجه بعيداً عن أي ضغوط حزبية وأي أيديولوجيات مؤطرة في حدود ضيقة لا تخدم الكل بقدر ما تخدم الأنا المقيت.
وضرورة أن يكون محايداً يعلي كلمة الحق حتى وإن كانت على حساب مصالح حزبه وجماعته وبالتالي ونتيجة لهذا التخبط فقد ظهر على سطح الأحداث وبشكل قوي جدا الخطاب الديني السياسي والمذهبي واختفى العالم المتجرد من عباءة التبعية والمُسَخِر علمه ودينه لوجه الله والوطن ولتقريب النفوس المتناحرة بلغة الإسلام الحنيف القائمة على الخير والسلام والتعايش مع الآخر.
للأسف استطاع الخطاب الديني السياسي أن يتوغل ويتسيد على منابر العلماء وأنتج العلماء السياسيين الذين بدورهم حولوا الدين إلى أيديولوجية شيطانية هادمة تخدم معتقداتهم فقط ووظفوا كل المعايير الإسلامية لخدمة المذهبية والأفكار الهدامة المدمرة وبالتالي صار الخطاب الديني خطابا متشنجا موغلا في الحقد، تضليليا هادما لا يبني الإنسان اليمني والمجتمع ككل بقدر ما يهدمه ويؤجج الفتن التي أوصلتنا الآن إلى الهلاك وإلى عدائية لم نعهدها أبداً في تاريخ أهل الحكمة الألين أفئدة.
خطاب يعتمد على فرض الرأي بالقوة بعيدا عن مبدأ و"جادلهم بالتي هي أحسن"، خطاب يهدم فينا كل أواصر الإخاء ويشتت ما تبقى لنا من ألفة.
ابتعدنا كثيراً عن المبادئ الحقيقية للإسلام وصارت النتيجة غياب الروح الإنسانية والعلاقات الرحيمة حتى على مستوى الأسرة والمجتمع وتوغل القتل في كل مكان بسبب ومن غير سبب، وانتشرت الاغتيالات بالجملة ومنابر العلماء ما زالت تؤجج للجهاد وتوقد شعلة الأحقاد ضد بعضنا وتعلي من بورصة الدماء المراقة ووأد الإنسانية في نفوس اليمنيين ونجهل إلى أي مدى يريدون بهذا الخطاب أن يوصلونا بعد أن أصبحنا في الدرك الأسفل من الفتن؟
ألا يكفيهم ما انهمر من دماء اليمنيين الأبرياء، وما زالت تنهمر؟ فكم من شلالات الدماء اليمنية تكفي وما زالوا يريدون امتصاصها ليكفوا ويتوقفوا عن تهييج وتغذية نزعة الشرور عند الناس وإهمال جانب الخير والتآخي فيهم عن سبق إصرارٍ وترصد؟
في هذه المرحلة بالذات، كم نحن محتاجون لعالِم نقي النفس والبصيرة والفؤاد لينصح ويوجه ويعلي الجانب الإنساني المذبوح بمقصلة الضغائن والذي دنسته التلوثات الحزبية والمذهبية تحت عباءة الفتن.
محتاجون لداعية يؤم الناس تحت عباءة الوطن الموحد ويشذب السلوكيات والتصرفات التي أضحت همجية، يلم الأرواح المبعثرة والنفوس المتكسرة والقلوب المتشظية بلغة متجردة من الحرائق، لغة الإسلام دين الحبيب محمد عليه الصلاة والسلام.
نريد أن نلتقي عند نقطة التقاء تقربنا أكثر من الأمان واليمن السعيد الذي ما زالت مآقيه دامعة منكسرة.
نريد أن ننبذ التشرذم والفرقة والكراهية، ونريد ممن يعول عليهم كل هذا أن يكونوا محطات تقارب وتسامح لا أن يكونوا معول تشرذم وشتات وتناثر وعداء تودي بنا أكثر لهيجاء السعير.
أيها العلماء الأنقياء غير السياسيين، راعوا الله في هذا الشعب الكادح وفي هذا الوطن الذبيح... أمانة هم في أعناقكم.