من الغريب والأكثر غرابة أنه ما يزال في العصر الحديث والزمن الحضاري الراهن من يفكر ويعتقد بالطريقة التي تتخذها عصابة الحوثيين الانقلابية في اليمن، وخصوصاً حول ما يتعلق بمفاهيم الدولة ونظم وآليات الحكم والحوكمة، واقتصار النظر إلى الدولة على أساس أنها مجرد حصالة نقود، وإذا تطور الأمر آلة صرف نقود..!!
وبطبيعة الحال لا يغيب عن الذهن أن هذه الفكرة ليست وليدة لحظة أو جديدة منشأ، فقد شهد تاريخ الدولة الإسلامية حالات مشابهة ومطابقة، ولكنها تحديداً ارتبطت بأنظمة الحكم التي قادتها الهاشمية الاتكالية، التي كان لا يعنيها من شكل وإدارة الدولة شيء أكثر من جباية النقود، وقبل ذلك وأساساً له امتلاك القوة والسلطة الكهنوتية التي تهيئ لإدارة وابتكار وتشغيل آليات التحصيل والجباية.. !!
ذلك في عصور بائدة مضت وانقضت، حين كان مفهوم الدولة وبالذات الإسلامية ما يزال في طور التأسيس وكانت مظاهر الحياة السياسية والاجتماعية والاقتصادية ما تزال تحبو حبوا على ظهر الزمن، وذلك بسبب اجتهاد الهاشمية المطرد في إقفال أو حصر معنى الدولة في ضرورة أن يعمل الشعب من أجل خدمة حاكميه وليس على الحاكم في المقابل إلا أن يدير قبضته على السلطة ويجني الأموال من العامة..!!
والمتابع لتاريخ الدولة الإسلامية والتاريخ العربي تحديدا يجد أن معنى الدولة لم يكن بهذا المعنى إلا حين أدارت الدولة العصبة أو العصبية الهاشمية التي اتصفت على امتداد التاريخ بالسلبية واللاجدوى، ولم تحقق الدولة الإسلامية في عهودها شيئاً يكاد يذكر في أي مجال من مجالات إدارة الدولة، يتجاوز إنهاك الشعب بالجبايات والإتاوات..!!
ويأتي ذلك على خلاف الفترات الزمنية التي تم فيها إزاحة الهاشمية من الحكم، والتي شهدت ازدهاراً حضارياً مسايراً للتاريخ لم يكن له أن يتحقق، لو ظلت الهاشمية الاتكالية في قيادة الدولة..
المثير والشاهد في الأمر في الوقت الراهن أن عصابة الحوثي في بلادنا تريد أن تعيد شكل الدولة كما كانت عليه في العهود الهاشمية الجابية، التي أخرت العرب عن اللحاق بقطار الحضارة الإنسانية.. وكانت سبباً في كثير من مظاهر تخلفنا كعرب..!!
وبغض النظر عن حقيقة هاشمية هذه العصابة أو عدمها، وهو أمر فيه شكوك كبيرة وكثيرة، إلا أن ما يدعو الاستغراب أن هناك من ما يزال يتعامل مع فكرة الدولة، في زمن تقدمي كهذا، بكونها ملكية خاصة أو مشروعاً إيرادياً لا أكثر، وأنه لاعلاقة أخرى غير ذلك تربط الدولة بالشعب، وأن مجمل المسئوليات في بناء شكل الدولة، وفي مقدمتها السمع المطلق والطاعة العمياء، تلقى على عاتق الشعب فقط، وليس على الحاكم أية مسئولية تجاه الشعب على الإطلاق..!!