تسع سنوات عجاف ومايزال اليمن عالقا في محنته، ولا شيء يبدو في الأفق سوى تحركات عقيمة من كل القوى، وجعجعة بلا طحين، لم تنتج حلاً او تحسم صراعا، باستثناء هدنة شكلية من طرف واحد فقط؛ وجهود اقليمية ودولية تغرد خارج السرب وكأن الهدنة كل المشكلة.. دون استيعاب لجوهر المشكلة اليمنية مع انقلاب كهنوتي دمر وطنا وأضاع حاضره ومستقبل اجياله.
من سيُسقِط الانقلاب الحوثي؟ سؤال باتساع المدى أَنهك الشارع اليمني طوال تسع سنوات من الحرب والشتات بحثا عن إجابة شافية؛ وحلول حاسمة كلفهم انتظارُها اثمانا باهظة من الدماء والفناء؛ والشقاء والبكاء؛ والجوع والتشرد، وقصة موتٍ وخراب ديار، بانتظار جواب لم يصل بعد!
من سيُسقِط الانقلاب وينهي تغولا ارهابيا وخَبَلاً عصبويا تمرد على الإجماع، واحرق بلداً وشرد شعبا، وسحق الديمقراطية والحقوق والحريات؟؟.. ويُدمي السؤال حياءً، حين نعلم أن الإجابة عنه سُخرت لها أممٌ بأكملها، بمنظمتها الدولية ومجلس أمنها؛ وجلساتها ومبعوثيها؛ وقراراتها وبياناتها المكرورة، وعاصفة حزم وتحالف شقيق بكل دعمه وترسانته، وشرعية متخبطة حظيت بإجماع دولي واقليمي لم يحظى به بلد، شرعية انشغلت أطرافها بانقساماتها ومكاسبها عن معركة مصيرية وعدو مشترك تمدد بسبب خطاياهم!
تسع سنوات عجاف ومايزال السؤال فاغراً: من يسقط انقلابا مدمرا عز لجمُه؟ ولا شيء يبدو في الأفق سوى دوامة حِراكٍ ملونة من كل القوى الكبرى، مؤتلفة ومتنافرة، تتحرك فيها امريكا؛ والصين؛ وروسيا؛ وبريطانيا؛ وفرنسا؛ وألمانيا والاتحاد الاوربي، وعمان ومنظومة الخليج؛ وجامعة عربية، وهَلُمّجرّا، فكأن نصف الكرة الارضية يتحرك مع ملف اليمن، دون ان يعلم أحد اين حراكها؟ وكيف تتحرك؟ ولأجل ماذا؟ ومن أين وإلى أين؟
متاهة حراك عقيمة لا يُرى سوى غبارها، ضجيج وجعجعة بلا طحين، ودوران في حلقة مفرغة لم تنتج حلاً او تحسم صراعا، باستثناء هدنة شكلية من طرف واحد فقط؛ ضررها اكبر من نفعها، وجهود اقليمية ودولية تَجاهد من أجلها وتغرد خارج السرب وكأن الهدنة كل المشكلة!.. وفي المحصلة ماذا؟؟ وضعٌ مراوح، وحوثيٌ لا يردعه رادع، وشرعية مسترخية- مسلوبة القرار والردع، ويمنٌ نازف يراد له ان يظل عالقا على رصيف الانتظار؛ بين اللاحرب واللاسلم.. فيما اليمنيون طوال تسع سنوات بُحت حلوقهم وهم يتحدثون عن أُس المشكلة، عن بلدٍ بلا دولة، وشعبٍ بلا بلد، ومليشيا بلا ضمير خرجت من كهوف الماضي منتقمة لأسلافها لتحرق اليمن وتمزق نسيجه وجغرافيته، وتنهي تعايش ابنائه وتضيع مستقبلهم؛ وأوغلت قتلا وفتكا وخطفا واعتقالا ونهباً وسلبا، طمعا في سيادةٍ عرقية وسلطة ابدية وثروة حصرية، دون أن يرف لها جفن، او يفهم العالم مشكلة اليمن الأزلية معها!
ووحدهم البائسون في مناطق الطرفين يتحسرون ليلهم ونهارهم على وطن أضاعوه واي وطن أضاعوا، على بلد باتساع الكون كانت أحضانه بالأمس القريب مهوى القلوب؛ وملجأ كل شريد وغريب، فيما اليوم اضحوا هم المشردون في المنافي والفيافي وعذابات النزوح؛ ولم يعد لديهم سوى البؤس والشقاء وطنا، دون ان يكترث بهم أحد، او يسمع انينهم بشر.. هنا فقط ترتسم مأساة بلد بلا مواطَنة، ومواطن بلا وطن- كأنه من اليمن!