توقفت الحرب بلا سلام، وبلا أملٍ في خروج اليمن من أصعب أزمة في تاريخها، تنتهي هدنة لم تسكت فيها البنادق وتبدأ أخرى منذرة بتجدد القتال ومذيلةٌ بتوعد الخصوم سفك المزيد من الدماء وإزهاق المزيد من أرواح الأبرياء، وما بين بيانات مليشيات الحوثي وتوجهاتها نحو التصعيد وبين التوجهات الأممية غير الحاسمة نحو السلام يتهاوى مشروع استعادة الدولة وتنهار آمال اليمنيين في تجاوز أكبر مأساة إنسانية شهدها العالم.
تسع سنوات من الحرب أحترق اليمنيون في جحيمها وعاشوا وعايشوا آلامها وعانوا من أوجاعها ومآسيها، ولم يجنوا من ورائها غير الجوع والتشرد والخوف من غموض ووحشة المستقبل الذي يتم اقتيادهم إليه، ما يشير إلى أن ما عاشوه خلال سنوات الحرب تم التخطيط له مسبقا وأن مآسيهم لم تتسبب بها الحرب إنما جاءت الحرب لصنعها بهدف مصادرة إرادة الشعب اليمني واجباره على القبول بسياسة بالأمر الواقع التي سيتم فرضها عليه.
لا جديد يلمسه اليمنيون على أرض الواقع اليوم ولا بوادر أملٍ يتوقعون مجيئه في الغد ليقينهم بأن الحرب التي علقوا عليها الآمال في الانتصار للدولة والمشروع الوطني الجامع، انتصرت للمشروع الطائفي السلالي وصنعت للكهنوتيين الجدد دولةً من العدم، الأمر الذي دفع الكثيرين لإعادة قراءة فصول الحرب والبحث في أوراق سيناريوهاتها المبعثرة عن إجابة للسؤال الأصعب الذي يطرح نفسه اليوم، هل انتصر الحوثي ومشروعه السلالي أم أن تحالف استعادة الشرعية هو الذي فشل، أم أن الاثنين نجحا معاً وسارا بالحرب إلى هذه النتيجة..؟!!
ربما تبدو الإجابة على مثل هكذا تساؤلات بعيدة بعض الشيء إذا ما نظرنا إليها من نافذة المشهد السياسي والعسكري الذي يبدو اليوم أكثر غموضاً وتناقضاً، لكنه لن يكون كذلك إذا ما خرجنا من دائرة الاحتواء السياسي الذي يحرص على احاطة نتائج الحرب -التي توقفت دون تسجيل انتصار لأي طرف من الأطراف- بالسرية والغموض، فسنجد أن جماعة الحوثي الانقلابية خرجت منها أكثر قوة وأكثر سطوة وهيمنة على الدولة فيما فقدت الشرعية حضورها السياسي والعسكري وسقطت الشعارات والأهداف التي اشتعلت من أجلها الحرب وتبعثرت أوراقها على طاولة المفاوضات التي تتجه لمصلحة الحوثيين الذين يتحدثون اليوم كدولة ويضعون الكثير من الاشتراطات قبل البدء بأي تفاوض.
ووفقاً لمراقبين فإن جماعة الحوثي المدعومة من إيران، والتي كان القضاء عليها هدفا رئيسيا قبل تسع سنوات، لم تعد تبحث اليوم عن بعض التنازلات الإقليمية والدولية بقدر ما أصبحت تتعنت وترفض الدخول في أي مفاوضات تفضي إلى سلام في اليمن إن لم يتم قبول اشتراطاتها والسير بالمفاوضات في الاتجاه الذي يحقق أهدافها ومصالحها.
وأشار المراقبون إلى أن هدف رعاة السلام في اليمن من إجراء أي مفاوضات مع مليشيات الحوثي لم يعد يتجاوز الحصول على تنازلات من جماعة الحوثي تسمح باستمرار الصادرات النفطية من الموانئ التي تسيطر عليها الحكومة الشرعية، وتراجع الجماعة عن اشتراطاتها بتوريد عائدات النفط إلى البنك المركزي الذي يخضع لسيطرتها في صنعاء.