لم يكن الروائي الإسباني ميجل دي سيرفانتيس يتصور أن خيالات بطل روايته الشهيرة "دون كيشوت" ستتحول إلى نظرية سياسية تستخدمها جماعة الحوثي الموالية لإيران لإخضاع المواطنين في مناطق سيطرتها وإيهامهم بأن عدواً خفيا يشن حرباً تستهدف حاضرهم ومستقبلهم، وأن النجاة والانتصار على مثل هذا العدو لا يمكن له أن يتحقق إلا من خلال عسكرة المجتمع واصطفافه حول الميليشيا التي تزعم أنها حملت المسئولية في الدفاع عنه.
جماعة الحوثي وترجمة لسياستها المبنية على الوهم والاختلاق، لم تكتف بما حصلت عليه من تعاطف شعبي من خلال تزييفها لحقيقة الحرب والادعاء بأن ميليشياتها تواجه عدوانا تحالفت فيه كل جيوش العالم، وها هي اليوم تختلق الكثير من الأخطار الضبابية والكثير من الأعداء الوهميين الذين تزعم أنهم يتربصون بالشعب ويشنون ضده حرباً ناعمة تدور رحاها في كل زاوية وكل حي وكل شارع ومدينة، ولا فرق بين العدو الذي رسمه خيال "الدون كيشوت" وقاده لخوض معركة مع طواحين الهواء وبين العدو الوهمي الذي يختلقه الحوثيون ويشنون عليه حربا تدور رحاها في جدران مدينة صنعاء وغيرها من المدن اليمنية المحكومة بقبضة الوهم والاختلاق والتزييف.
الكل في حرب الحوثي الناعمة مستهدف، والعدو الوهمي يتربص بالمرأة والطفل والشاب والطالب والمعلم والكيان الأسري، ويسعى لخلخلة الصف وإثارة الفتنة وزعزعة الأمن وإقلاق السكينة العامة بل ويستهدف الهوية الوطنية والعقيدة والمدرسة والمؤسسة الحكومية، الأمر الذي يحتم على المجتمع الوقوف مع الجماعة ومساندتها لتتمكن من مواجهة هذا العدو الخفي وانقاذ المجتمع من أخطاره المدمرة.
ولأن العدو الوهمي والخطر الضبابي -كما تصوره جماعة الحوثي- يمتلك الكثير من الأسلحة والأدوات التي تمكنه من التوغل في المجتمع، صنعت الجماعة غطاءً لفسادها وأوجدت مبرراً لحملات الاعتقال التي تنفذها ضد المواطنين ومصادرة الحقوق والحريات وتكميم الأفواه ونهب الأموال الخاصة والعامة، الأمر الذي جعل كل من يطالب بصرف المرتبات أو ينتقد فساد قياداتها وعبث مليشياتها أو يتحدث عن نهب ايرادات الدولة وتردي الأوضاع المعيشية وانعدام الخدمات، عدواً للشعب ومتهماً بتنفيذ مخططات العدو التي تستهدف إثارة الفتنة وخلخلة الصف وإقلاق السكينة العامة.
ما شهدته اليمن خلال السنوات التسع الماضية يشير إلى أن ميليشيا الحوثي كانت وما تزال المستفيد الوحيد من الحرب وأن الخاسر فيها هو الشعب اليمني الذي تحولت شعارات مواجهة الجيوش المتحالفة عليه إلى أسلحة ضده ومبرر لاستهدافه واستغلاله ونهبه وتجويعه، وها هي جماعة الحوثي تواصل استثمار مثل تلك الشعارات وتختلق المزيد من الأعداء الوهميين الذين تستخدمهم اليوم لتبرير سياستها في فرض المزيد من السيطرة والقمع والاستبداد، والتسويق لممارساتها العبثية التي تحرص على أن يبدو فيها القمع والتنكيل والقتل عمل وطني يصب في مصلحة الشعب والوطن.