تختلف الميليشيا حسب الدارسين والمتخصصين من حيث طبيعة وجودها ودوافع تكونها ومرجعياتها، مما يؤثر بالتالي في طبيعة أهدافها وغاياتها وماهيات وأنظمة مشاريعها، وهي في جملتها وفي نهاية مآلاتها ذوات أعمار محدودة، ولا تؤسس لرؤى مستقبلية أو عمومية، ولا يمكن بأي حال أن تتمثل تطلعات شعبية وتحظى بدوافع جماهيرية، إلا في ظروف وحالات نادرة، معظمها يتشكل في حالات ضعف الأنظمة وتشتتها أو بالأصح إضعافها وتشتيتها، كما هو الحال بالنسبة لما حدث في اليمن، في سياق العصف الذي شهدته مجتمعات عربية أخرى تحت راية ما سمي بالربيع العربي..
وبالنظر إلى كيفيات تشكل الميليشيا العصبوية والمتمردة على النسق الاجتماعي والسياسي وطبائع ظهورها وتواجدها صراحة، فإنها في الغالب إن لم يكن عموماً، تتشكل عادة في ظل قوة سلاح وعنف وتحركات انقلابية، مستغلةً ما تنتجه التغيرات والاضطرابات السياسية من واقع تتفكك تحت ظله المؤسسة الواحدة للدولة وبالتالي مختلف المؤسسات الجزئية والمكونة للمؤسسة الأم.. وذلك مثلما حدث في اليمن من متغيرات داخلية ناتجة عن المتغيرات الخارجية وهبة الخريف العربي التي هبت قاصدة العصف بالأنظمة ومن حولها المجتمعات العربية، دون أي أفق أو موجهات مهيئة.
وبالحديث عن جماعة الحوثي فإنها تندرج تحت وصف الميليشيا المتمردة والانقلابية التي تدرك قبل غيرها أنها كيان مرحلي مؤقت نشأ في ظروف خاصة وغير طبيعية، وأن أي تقدم في إصلاح أوضاع الحال اليمني وعودته إلى نسقه الطبيعي، يعني نهاية لمشروعها المؤقت، وبالتالي على مشروعها أن يكون نفعياً عليها وعلى أفرداها، لا يتجاوز ذلك، وأن أية شعارات أو ادعاءات حول النفعية الوطنية وحماية الشعب والخوف على مصيره ما هي إلا مقولات تخديرية تستخدمها الجماعة لتنفيذ مشروعها النفعي الخاص بها وحسب.
ويتضح ذلك بالنسبة لهذه الجماعة التي تبالغ كثيراً في الاتكاء على شعارات الوطنية والسيادة، حين نلاحظ بوضوح أنها تستغل سيطرتها الموقتة لتحقيق أكبر قدر من النفعية، ابتداء من الانفراد بأماكن القرار السيادية داخل الدولة والسيطرة المطلقة على مؤسساتها واستغلال الشعب والموارد العامة والتحكم المطلق بإدارة المال والتجارة والاقتصاد عموماً لتصنع لها من كل ذلك امبراطوريات مالية وممالك عقارية واقتصادية داخل وخارج البلاد..
ومن منطلق الإيمان بفكرة الوجود المؤقت كمليشيا آنية وجدت في ظرف معين، يلاحظ المتابع سرعة هذه المليشيا في استغلال الشعب والموارد بشكل وصل حد الجشع والخروج من دوائر العقل والمنطق، متناسية أنها تنكشف أمام الشعب الذي تحاول إيهامه بأنها وجدت من أجل الدفاع عنه وعن مصالحه، فقد أصبح تهافت قيادات الجماعة على جني المال، جباية ًوسرقةً وسطواً، صفة غالبة تتجاوز أية صفة أخرى تتصف بها الجماعة، حتى الصفة الدينية والمسلمات الفكرية والمذهبية التي تزايد بها الجماعة، لم تعد ذات قيمة في منظور العامة، نظراً لهذا السلوك الجبائي الطاغي الذي صار قريناً باسمها في المفهوم الشعبي العام.
جماعة تسابق الزمن في موضوع الجباية والسرقة، والاستيلاء على أموال وممتلكات العامة والخاصة، مدركة أنها في لحظة ما ستجد نفسها خارج النسق العام، الذي لم تكن في السابق جزءاً منه، ثم حين توفرت لها الفرصة لم تستطع أن تندرج في قوامه.. فقد أغرتها السلطة والمال فلم تتمكن من الحفاظ على توازنها، وبالتالي لم تحافظ على المسافة الآمنة بينها وبين شعب لم يعد يؤمن بشيء من شعاراتها، فلم يعرف منها طوال تسع سنوات شيئاً مما كانت تعد، بل على العكس تبين أنها مصدر كل المآسي والاضطرابات والشتات والجوع الذي يعانيه.