"ثقافة مغلوطة" جملة حوثية لم نكن نعرها أي اهتمام واعتبرناها مخرجاً يلجأ إليه الكهنوتيين لتبرير جهلهم المعرفي بشكلٍ عام، لكن ما نظرنا إليه بالأمس على أنه مخرج لهروب العاجز سرعان ما تحول إلى سلاح لإسكات المثقفين والمؤرخين والإعلاميين وعلماء الدين، ومنعهم من تقديم أي توضيحات أو انتقاد ما يتم طرحه من زيف، وها هي تتحول اليوم إلى عنوان لسيناريوها تستهدف تجريف التاريخ اليمني، وكتابة تاريخ جديد لا علاقة له بالتاريخ.
وفي الوقت الذي أصبح التاريخ يمثل علماً من العلوم الإنسانية والاجتماعية، له مدارسه ومنهجه وقواعده وتفرعاته، إلا إن صوت الجهل في اليمن منذ سيطرة جماعة الحوثي على الدولة أصبح الصوت الأعلى، وأمام ما يطرحه ويسرده جهلاء الكهنوت من زيف ومغالطات تتلاشى كل الحقائق.
وبمزاعم تصحيح التاريخ يخرج علينا جهلاء الحوثي بالكثير من السرديات التي لا يقبلها عقل وتتجاوز حدود المنطق، وما بين ما يتم نشره وبثه عبر وسائل الإعلام ومنابر المساجد وبين ما يتناوله الباحثين ومن مواضيع تتسع دائرة العبث ويتحول التاريخ إلى رواية خيالية يتنافس الكتاب على تدوينها وتوجيه فصول أحداثها لخدمة مشاريع وأهدف جماعة الحوثي.
اليوم وفي زمن الفوضى المحكومة بالجهل المسلح، يقول الحوثيون إن أبرهة الأشرم لم يذهب إلى مكة لهدم الكعبة وانما لأنه كان يعلم بأن النبي الخاتم سيولد في مكة وما ذهب إلّا ليقتله لكن الله أحبط المؤامرة التي حاكها أبرهة ضد النبي وأرسل طيور الأبابيل لإفشال ما خطط له، ورغم تعارض مثل هذه السردية مع الواقع إلا انهم يطرحونها في صحفهم ووسائل إعلامهم ويتحدثون عنها ويدعون الناس لتصديقها على انها الحقيقة التي تعمد المؤرخون تغييبها.
حادثة الفيل ليست الوحيدة التي يحرص الحوثيون على أن يأتي التسويق لها قبيل المولد النبوي، فهناك الكثير من السرديات الأخرى والافتراءات المعدة لكل مناسبة وأبرزها سردية الهجرة النبوية التي زعم خطيب الجمعة في واحد من أكبر مساجد العاصمة صنعاء، ان الرسول صلى الله عليه وسلم كان قد رتب مع أحد مشائخ اليمن بأن تكون الهجرة إلى منطقة الحيمة في اليمن، إلا إن وفاة ذلك الشيخ جعلت الرسول يغير وجهة الهجرة من الحيمة إلى يثرب.
أكاذيب وافتراءات وتزوير تاريخي ممنهج يهدف إلى تسطيح فكر اليمنيين وطمس وتجريف التاريخ الديني والحضاري واستبداله بمثل هذه التخاريف التي لا أساس لها من الصحة، وإذا ما استمرت جماعة الحوثي تتصدر المشهد السياسي والثقافي فإن ما نسمعه اليوم من تخاريف سيتحول إلى تاريخ يدرس في المدارس والجامعات.