في الوقت الذي تقوم ميليشيا الحوثي بنهب مرتبات الموظفين والاستيلاء على إيرادات الدولة منذ ما يزيد على ثمان سنوات، وتهرباٌ من دفع ما عليها من استحقاقات، تنفذ الجماعة الموالية لإيران العديد من البرامج التي تسعى من ورائها لخلط الأوراق وصرف انتباه الموظفين عن قضية المرتبات بقضايا أخرى وبرامج عبثية تتعمد اختلاقها لإرباك الموظفين الذين أصبحت مثل هذه البرامج تشكل تهديدا لحقوقهم المكتسبة ومستقبلهم الوظيفي.
منذ العام 2022 وبالتزامن مع إعلان الهدنة أعلنت الخدمة المدنية الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي عن تنفيذ عملية واسعة لتحديث وتطوير البيانات الوظيفية بقاعدة البيانات المركزية لكافة موظفي الدولة، زاعمة أن العملية تأتي تمهيداً لإطلاق فتاوى التسويات والعلاوات السنوية المستحقة للموظفين للفترة من ٢٠١٤م وحتى ٢٠٢٣م.
وتحت عناوين براقة تدغدغ مشاعر الموظفين وجهت تعميماً دعت فيه كافة مسؤولي وحدات الجهاز الاداري للدولة للسلطتين المركزية والمحلية والوحدات الاقتصادية والمستقلة والملحقة والصناديق الخاصة بالزام الادارات المختصة بسرعة الاستجابة وتحديث بيانات الموظفين ليتم ربطها بقاعدة البيانات المركزية آلياً عبر ما تسميه النافذة الالكترونية، والتي تزعم أن كشف الراتب لكافة موظفي كل وحدات الجهاز الإداري للدولة سيسطر بموجبها، في إشارة إلى أن العملية تستهدف استبعاد آلاف الموظفين واسقاط أسمائهم من كشوفات الراتب الذي قالت ان تغذيته ستتم عبر قاعدة بيانات المرتبات وفقا للمتغيرات الوظيفية والجديدة.
وبحسب التعميم فإن عبث الحوثيين بسجلات الوظيفة العامة سيطال ملفات كافة موظفي الجهاز الاداري للدولة وشغل الوظيفة منذ العام 1996 وحتى اليوم، وسيتم التعامل مع الموظفين وكأنهم تقدموا بطلبات التوظيف حديثا، حيث سيرتكز تحديث البيانات المزعوم على مراجعة المؤهلات، وتاريخ الميلاد، وتاريخ التعيين والوفاة للمتوفين والانقطاع والايفاد والتفرغ والاعارة والاجازات والعلاوات وأحقيتها وغيرها من البيانات ذات الاثر المالي.
ورغم أن تعميم الخدمة ألزم الوحدات الادارية بتنفيذ عملية التحديث خلال شهر واحد ووزعت على الوحدات الادارية ما أسمتها استمارة تحديث البيانات لكل موظف، إلا إن العملية ما تزال مستمرة منذ أكثر من عام، بل وتحولت إلى ملهاةٍ حوثية ومتاهة أرهقت الموظفين الذين وجدوا أنفسهم مطالبين باستيفاء الشروط التي ما إن ينتهوا من إحداها حتى تظهر شروطٍ جديدة أكثر تعقيداً.
وما بين مطالبة أسر الموظفين المتوفين منذ سنوات بموافاتها بآخر إصدار لبطاقة المتوفي وبين مطالبة موظفين تزيد مدة خدمتهم عن 20 عام بتعميد مؤهلاتهم الدراسية، فوجئ الكثير من الموظفين بأنفسهم في دائرة الشبهات، وفي الوقت الذي يشكو موظف من رفض قبول ملفه بسبب عدم توافق تاريخ الميلاد في البطاقة الشخصية مع تاريخ الميلاد في المؤهل، يشكو موظف آخر من رفض ملفه بسب وجود اسم رباعي أو لقب في احدى الوثائق وعدم وجوده في وثيقة أخرى، ليجد الموظفين أنفسهم يخوضون حرباً انتقلت بهم من مرحلة المطالبة بصرف مرتباتهم المنهوبة إلى مرحلة الخوف من مصادرة وظائفهم وإسقاط أسمائهم من كشوفات الخدمة المدنية التي لا تسمح لأي موظف يريد مراجعتها الدخول من بوابتها، وتلزمه بالعودة لمراجعة مندوبها في الجهة التي يعمل بها.