منذ اقتحام مليشيا الحوثي المدعومة من إيران للعاصمة صنعاء وسيطرتها على مؤسسات الدولة بقوة السلاح في الـ21 من سبتمبر 2014 وحتى الأول من سبتمبر 2023م صلى اليمنيون أكثر من 430 صلاة جمعة شهدوا خلالها سقوطا للخطاب الديني وانحرافا أخلاقيا لرسالة المنبر وتدنيسا لقدسية بيوت الله التي حوّل الحوثيون منابرها من معين للهدى ونشر الفضيلة والدعوة إلى التسامح والتعايش إلى منصات تعكس ثقافة اللعن والموت ونشر أخبار الفضائح وتمجيد زعيم جماعة الموت.
لم يكن يتوقع اليمنيون وهم يستمعون للخطباء الذين فرضتهم جماعة الحوثي لإمامة المساجد، أن الخُطب التي ظلت طوال ثمان سنوات تصب اللعنات على "العدوان الأمريكي الإسرائيلي البريطاني السعودي الإماراتي الكوني وعلى الخونة والمرتزقة" -حسب زعمها- ستنقلب عليهم وسينالهم من اللعن ما نال أمريكا وإسرائيل وأنهم سيصبحون بين عشية وضحاها خونة ومرتزقة وعملاء وفاسدين ومثيري فتنة، وغيرها من الاتهامات التي فوجئوا بمفتي الحوثي وخطباء المساجد ينعتونهم بها في آخر جمعتين.
وتحولت جمعة الأول من سبتمبر الذي سجل اليمنيون فيه موعدا للتحرر من العبودية والانتصار على الكهنوت، إلى جمعة تخوين ولعن للمعلمين والأكاديميين والموظفين وكل من يطالب بصرف المرتبات، وهي الجمعة التي عممت جماعة الحوثي موضوع خطبتها على جميع المساجد في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وضمنتها الكثير من التهديدات والاتهامات والأوصاف التي لا تليق بأكبر شريحة اجتماعية وصلت في معاناتها لمرحلة البؤس والعوز ورغم كل ما تعانيه لم تتقاعس عن أداء رسالتها وظلت تعمل رغم انقطاع المرتبات لأكثر من ست سنوات.
جمعة تخوين الموظفين المطالبين بحقوقهم جاءت بعد يومين على تصريحات متلفزة لمشاط المليشيا، اتهم فيها المعلمين والاكاديميين وأساتذة الجامعات والموظفين بالخيانة وتنفيذ مؤامرات ومخططات قوى العدوان، واصفاً من يطالبون بصرف المرتبات بالحمقى والمعتوهين.
وفي سرد من الحماقات غير المسبوقة، اعترف مشاط المليشيا بأن الجماعة استبعدت صرف المرتبات من أجنداتها وأنها لن تصرف مرتبات الموظفين حاضراً أو مستقبلاً، مؤكداً أن الجماعة ليست المسئولة عن صرف المرتبات وأنها لم تلتزم أو تعد بصرفها، زاعما أن المرتبات لدى العدو وهو المسئول عن صرفها للموظفين الذين قال إن مطالباتهم أفشلت جهود الجماعة في التفاوض عليها مع دول التحالف.
مراقبون أكدوا أن ارتفاع الأصوات المطالبة بصرف المرتبات أفقد جماعة الحوثي توازنها وأدخلها في حالة من التخبط والخوف لم تشهد مثلها طيلة سنوات الحرب، مشيرين إلى الجماعة وبدلاً من أن تعمل على تهدئة الأوضاع، اتجهت لاستعداء اليمنيين الذين وجدوا أنفسهم متهمين ومدانين من قبل جماعة تنهب موارد الدولة وتتعمد تجويعهم منذ ثمان سنوات.
وأشاروا إلى أن تصريحات قيادات جماعة الحوثي وتلويحهم باستخدام القوة وتوجيه وسائل الإعلام ومنابر المساجد لتخوين وترهيب المطالبين بصرف المرتبات، انعكست سلباً وكشفت عن الوجه الحقيقي للمليشيا وأسقطت زيف الشعارات التي كانت تستند عليها في كسب التعاطف الشعبي.