لم تكن ثورة الـ26 من سبتمبر ثورة عادية أو حدثاً عابراً أفرزه حراك سياسي ناجم عن تباينات وعدم توافقٍ حول شكل الدولة وكيفية إدارة مؤسساتها وانتهى إلى استبدال النظام الملكي بنظام جمهوري، بقدر ما كانت وستظل أعظم انجازٍ وأكبر انتصارٍ حققه الشعب اليمني وطوى به أزمنة من البؤس والعبودية وأسقط عرش الكهنوت الذي ظل يتوارث ويتقاسم اليمن ويصادر الحقوق والحريات لأكثر من ألف عام.
وإذا كان يحسب ما أحدثته الثورات التي شهدها العالم، من متغيرات سياسية –رغم توقفها عند حدود الاستقلال من المستعمر أو التغيير في شكل النظام- على انه نجاح وانتصار، فإن ما أحدثته ثورة الـ26 من سبتمبر من انجازات أكبر من يقاس بمثل هكذا انتصارات ونجاحات، فما حملته ثورة سبتمبر من أهداف وما حققته من انجازات يؤكد أنها ومنذ فجر يومها الأول مثلت شرارة أولى ومحطة لإنطلاق العديد من الثورات ضد مخلفات أكثر من ألف عام ارتكزت سياسة الكهنوت الإمامي خلالها على تأصيل العنصرية والسلالية والاصطفاء المزعوم واستعباد وتجهيل وإفقار اليمنيين ومصادرة حرياتهم وحقوقهم وانسانيتهم وعزلهم عن محيطهم العربي وعن العالم سياسيا واقتصاديا وثقافيا وتسخيرهم لخدمة دويلاته التي ظلت تتقاسمهم أرضاً وبشراً وشجراً ومحاصيل، وتغتالهم صراعاتها وحروبها وتطاردهم ثارات معاركها التي لا تنطفئ نيرانها إلا لتشتعل من جديد.
ألف عامٍ من الكبت والوصاية والاستعباد، تعددت فيها الدويلات وتحولت اليمن خلالها إلى إقطاعيات تتقاسمها وتتوارثها سلالات الكهنوت التي نصبت نفسها وصية على الشعب وحارساً دينياً ووسيطاً بينه وبين الله، ورغم تعاقب الدويلات واختلاف المسميات إلا أن السياسة التي اعتمدها الكهنوتيين والمتمثلة في التجهيل والافقار ومصادرة الحقوق والحريات ظلت نفس السياسة الموجهة لإخضاع وتركيع اليمنيين منذ اليوم الأول قبل ألف عام وحتى بددت قذيفة المارد الثائر ليل الكهنوت عشية يوم السادس والعشرين من سبتمبر معلنة انتصار الثورة التي وصفها المشير عبدالله السلال بأنها "قفزة الألف عام في ليلة واحدة.
ثورةٌ واحدةٌ هي ثورة سبتمبر لكنها أشعلت ثورة ضد المستعمر البريطاني في جنوب الوطن وثورة نضال وحدوي وثورات سياسية وتعليمية واقتصادية ومعيشية وتنموية وعسكرية وثقافية وفنية واعلامية وحقوقية وثورة عدالة ومساواة، لتتجسد في انسانية وسمو أهدافها العديد الأهداف التي حملتها أشهر الثورات العالمية ابتداء بثورة الجياع ضد الباستيل في فرنسا مرورا بثورة الفلاحين والعمال ضد الاقطاعيين في روسيا وانتهاء بثورات التحرر من العبودية والاحتلال في العديد من دول آسيا وإفريقيا، بل انها كانت السباقة في انهاء السلالية وتحقيق مبدأ المساواة والانتصار للقيم التي ناضل من أجلها مارتن لوثر كينج ونيلسون مانديلا ضد العنصرية في أمريكا وجنوب أفريقيا.
اليوم وفي ظل ما تشهده اليمن من أحداث وبعد 8 سنوات على تصدر المشروع الكهنوتي واجهة المشهد السياسي والثقافي والاقتصادي وسيطرة الاماميين الجدد على مؤسسات الدولة بقوة السلاح والاستيلاء على المال العام ومصادرة الحقوق والحريات وحرمان الشعب من أبسط مقومات الحياة، أدرك اليمنيون أن ما صنعه الأحرار يوم الـ26 من سبتمبر عام 1962 كان معجزة بكل المقاييس، وأصبحوا على يقين أن التمسك بأهداف ومبادئ ثورة سبتمبر الخالدة والتصدي للمحاولات التي تستهدف الجمهورية والثوابت الوطنية تمثل الشرارة الأولى للثورة وأولى خطوات الانتصار على الكهنوت الحوثي وإسقاط مشروعه السلالي الذي يستهدف اليمن واليمنيين.