منذ عقد من الزمان وربما أكثر والغرب يلعب على خيوط شطر المنطقة العربية، أو قسمها إلى قسمين بعد أن كان قد نجح في خلخلة معظم الأنظمة فيها وزعزعة أمنها واستقرارها.. وكانت أبرز وأشمل طريقة أو وسيلة لذلك هي اللعب على هجس فكري ومذهبي حساس، كان له آثاره التاريخية السالفة، فبدأت مؤسسات البحوث السياسية والفكرية الغربية تروج بثقل كبير لضدية قائمة بين الشيعة والسنة وتعمل على تكريسها وتوسيع أفقها، بكل الوسائل الممكنة، وتصنف على ذلك الأساس الشعوب العربية وتدعم نشوء تنظيمات وجماعات ومراكز دراسات وبحوث، وبالتماشي مع ذلك تؤصل للخلافات بينية وتبعث ما كان قد بلي وانتهى منها منذ زمن طويل..
ومن عام لآخر منذ ما قبل ثورات الربيع العربي التي أججها الغرب مستخدماً أيادي عدة منها عربية وإقليمية وإسلامية لإثارة زوابع الخلافات المناسبة والصالحة لتكون حضناً لمشروع الشطر الذي يسعى إليه دهاة التخطيط الطامعون في ثروات المنطقة وفي الاستراتيجيات الجغرافية والمكانية التي أصبح من الضرورة الاحتكام عليها لأهميتها، ولو لم يكن من كل ذلك إلا وقوع هذه المنطقة في مخنق الفصل بين الشرق والغرب وإبرة التوازي بين اقتصاديات هذين الطرفين..
وقد لعب الغرب على الخيوط الشطرية المذكورة أعلاه ليبقي المنطقة في حالة هيجان تتطلب ظاهرياً حضوره كحلال لعقد المنطقة، بينما هو في حقيقة الأمر من يلوي تلك العقد ويصنع خمساً منها كلما حلت إحداها.. وبالتالي لم يترك الغرب وسيلة لم ينتهجها لتحقيق أهدافه، فاخترق التنظيمات والجماعات واقترب بالدعم الخفي والظاهر مادياً ومعنوياً، حتى مما يمكن وصفه بأعتاها، وشاركها التدابير اللازمة التي من الممكن معها تقويض الأنظمة وجعل المنطقة على صفيح ساخن..
حدث كل ذلك خلال سنوات عشر أنهك فيها كل القوى الموثرة ثم وقع اختياره على الشيعة كقوة متشددة ومتعصبة يمكنها التماسك أكثر لتواجدها كقوى مسلحة ومعارضة في الغالب، ودعمها وتعزيز تسليحها، وعقد معها عقود وعهود التمكين، مستخدماً إيران كمركز إشعاع لبث هذا الفكر في مختلف دول المنطقة، وبدأ من جانب آخر في دعم السنة كخصم وند وشكل ودعم داخلها تنظيمات، وبدأت عملية الحصاد المتمثلة في اشتداد التخاصم وصولا للتناحر، ثم قرر كما سبق الإشارة تغليب كفة طرف الشيعة للأسباب المذكورة والمتعلقة بالتشدد والانتظام والمظلوميات التاريخية التي تدعى..
وبالتالي لا يحتاج ما وصل إليه وضع المنطقة من متغيرات، إلى توضيحات وشروح، ولعل من أ ثر ما يعزز هذا الطرح ما تشهده اليوم غزة من أحداث، تم فيها استدراج حماس الفلسطينية ربما كآخر تنظيم منظم وقوي يمثل جماعة السنة في المنطقة، إلى مربع الموت والفناء، لصالح طرف الشيعة، في صفقة خفية تبرر عزوف تشكيلات الشيعة الأبرز التي ظلت لعقود تزايد بالقضية الفلسطينية، وهاهي اليوم تتنحى جانباً بمواقفها وتختار البقاء في مكان الجمهور المتفرج بينما اسرائيل تقتل الفلسطينيين وتدمر غزة وأبرز أهدافها القضاء على حركة حماس السنية تحت مزاعم الانتقام منها لما فعلته بالإسرائيليين من أفعال بشعة.. أفعال لم تكن لتحدث لولا أن ثمة اختراقات اعترت صفوفها، لتقوم ما قامت به من أفعال غير مقبولة فكانت منطلقاً لتنتهج الوحشية في التعامل مع كل الفلسطينيين وليس حماس وحسب..
لقد نجحت اسرائيل بهذا المخطط المحكم في الحصول على فرصة مواتية وثمينة للتخلص من حركة حماس بعد أكثر من أربعين عاما من فشلها في ذلك، بل وأيضاً تحقيق خطوة اخرى في تجسيد فكرة الشرق الأوسط الجديد، وتوسعة احتلالها ليصل لغزة التي كانت حلما كبيرا يسكن أطماعها منذ ما يقرب من نصف قرن.. وتجسيد فكرة الوطن البديل للغزاويين والتي طرحت ضمن مشروع الشرق الأوسط الجديد، وفيها اختيار سيناء المصرية كوطن بديل للغزاويين، وهو ما تقصده اسرائيل اليوم من عمليات جرف عسكرية لا تبقي ولا تذر..!!