أحد عشر ألف شهيد وأكثر من 27 ألف جريح جلهم من الأطفال والنساء، حصيلة حربٍ عدوانيةٍ يشنها جيش يصنف على انه الأقوى عتادا وتسليحا في المنطقة، ضد شعب أعزل تحاصره آلة الدمار والموت براً وجواً وبحراً منذ 34 يوماً، خذله فيها من يتقاسم معهم الهوية والدم والدين، وخانته خلالها قيم ومبادئ الإنسانية ومواثيقها الأممية وغاب فيها الضمير العالمي.
حرب إبادة وجرائم حربٍ هي الأكثر دموية ووحشية بكل المقاييس والحسابات العسكرية والأخلاقية تستهدف أكثر من 2 مليون مواطن فلسطيني، تدور رحاها في قطاع غزة الذي لا تزيد مساحته عن مساحة مدينة ويمثل جزءاً صغيراً مما تبقى للشعب الفلسطيني من فلسطين التي تتآكل خارطتها ويستولي المحتل الصهيوني على مدنها وقراها ويصادر ترابها وأشجارها ويهجِّر سكانها الذين ينتظرون منذ 75 عاماً صحوة الضمير العالمي والمنظمات الأممية للانتصار لحقهم في العودة إلى ديارهم.
أحد عشر ألف شهيد بينهم أكثر من 4300 طفل حصيلة مخيفة يشير إليها عدَّاد الموت الذي يزداد ارتفاعا كل لحظة، وتتسابق أقنية الإعلام والمنظمات الدولية لإحصائه وتوثيقه في سجلاتها التي تحوَّل فيها آلاف الشهداء والجرحى إلى أرقامٍ وكأن من تشير إليهم لم تكن لهم أسماءٍ تم محوها من سجل الحياة وأرواحٍ أزهقت بلا ذنب وأحلام تلاشت في سحب الدخان وأجسادٍ تمزقت وامتزجت أشلاءها بركام المنازل.
"الدم الفلسطيني ليس نفطاً ولا ماءً.. انه ملح الأرض وبارود الثورة" بهذه العبارة وصف رمز النضال الوطني الفلسطيني المناضل ياسر عرفات تضحيات شعب فلسطين الذي يتوارث الثورة ويواجه آلة المحتل العسكرية وينزف جيلاً بعد جيل ويضيف في كل يوم فصلاً جديداً إلى فصول الثورة التي تزيدها دماء أبناء غزة اشتعالاً وتحولها إلى ثورة عالمية تساند الشعب الفلسطيني وتصطف إلى جانبه ضد طغيان الاحتلال الصهيوني وداعميه.
اشتعل بارود الدم الفلسطيني فأضاء بصيرة شعوب العالم وتحت عنوان "الحرية لفلسطين" شهدت لندن أكبر تظاهرة منددة بالاحتلال والعدوان الصهيوني، متهمة بريطانيا بصنع معاناة الشعب الفلسطيني من خلال وعدها المشئوم، وشهدت نيويورك وواشنطن وباريس وبرلين واستكهولم وروما ومدريد وغيرها من المدن والعواصم الغربية تظاهرات مماثلة للتنديد بالعدوان والاحتلال ومطالبة بإيقاف الدعم السياسي والعسكري لإسرائيل.
أحد عشر ألف شهيد وأكثر من 27 ألف جريح، رقم كارثي إذا ما قيس بحجم ما خلفته وتخلفه الحروب من ضحايا وأحزان وآلام ومآسي، لكنه لن يكون كذلك إذا ما قيس بحجم ما حققه من انتصار لفلسطين الوطن والقضية التي يعيدها الدم الفلسطيني اليوم إلى واجهة المشهد السياسي والحقوقي الدولي ويحولها إلى قضية وحراك شعبي عالمي ينادي بالحرية لفلسطين ويطالب بحلٍ عادل يفضي إلى إقامة الدولة الفلسطينية التي تعود اليوم لتحتل الأولوية في أجندات السياسة الدولية.