عقب كل حرب عالمية يشهدها العالم، تتجه الدول المنتصرة لوضع معاهدات واتفاقيات وإنشاء منظمات دولية تحرص على منحها صفة العالمية وإظهارها وكأنها مطلب أممي لكل دول العالم ومنحها من الأهداف والمبادئ ما يبدو وكأنه التفسير والترجمة الواقعية لأحلام وتطلعات شعوب الأرض، لكنها هذه الكيانات مهما تعددت المسميات والأهداف تظل تعبر عن وجهات نظر المنتصرين وتعمل على رعاية وخدمة مصالح الدول الاستعمارية.
بعد الحرب العالمية الأولي استثمر الحلفاء "معاهدة فرساي" واتجهوا بموجبها لتأسيس "عصبة الأمم" وتحت مزاعم الحيلولةُ دونَ وقوعِ صراعٍ عالمي مسلح، والحفاظ على الأمن والسلام العالمي بدأ عصر التقاسم والاحتلال الجديد وتحولت الأطماع الاستعمارية إلى إرادة دولية وقرارات نافذة وملزمة لا اعتراض عليها ولا خيار للضحايا والمستهدفين غير القبول بها وهو ما حدث بالفعل حيث كانت فلسطين والشعب الفلسطيني الضحية الأولى التي استهدفها الكيان الاممي الاستعماري المسمى "عصبة الأمم" التي منح مجلسها "المكون من 4 أعضاء هم بريطانيا وفرنسا وإيطاليا واليابان" صكا لبريطانيا أجاز لها احتلالها والوصاية عليها وتقرير مصيرها.
ورغم إن أهم بنود ميثاق العصبة الأممية يمنح ضمانات متبادلة من الاستقلال السياسي والسلامة الإقليمية للدول الكبرى والصغرى على حد سواء، إلا ان مجلسها المنعقد في 24 يوليو 1922 أقر مشروع الانتداب البريطاني رسميا على فلسطين، واستكمل القرار بمذكرة شرق الأردن المؤرخة في 16 سبتمبر 1922، ليدخل بعدها حيز النفاذ في 29 سبتمبر 1923 عقب التصديق على معاهدة لوزان، وبذلك القرار صادرت عصبة الأمم الحق العربي وأقرت اتفاقية "سايكس-بيكو" وكل الإجراءات التي قامت بها بريطانيا في فلسطين بما في ذلك عد بلفور المشئوم الذي أعلن فلسطين وطنا لليهود.
بعد الانتهاء من تقاسم غنائم الحرب ورسم خارطة جديدة للعالم العربي وتلاشي عصبة الأمم، فوجئ مؤسسوها بنهوض المانيا وانبعاثها من الرماد كقوة عسكرية وصناعية يصعب مواجهتها، الأمر أكد أن العصبة الأممية لم تفشل في تحقيق الأمن والسلام العالمي فحسب، بل قادت العالم إلى حربٍ عالمية ثانية أكثر وحشية ودماراً، بل وأكثر اتساعا وأطماعا وخاصة بعد انضمام الولايات المتحدة الأمريكية لتحالف المستعمرين القدامى، لتنتهي الحرب بالإعلان عن تأسيس الأمم المتحدة في الـ24 أكتوبر 1945 كمنظمة دولية تعمل على حفظ الأمن والسلم العالمي.
لكن ورغم أن التسمية التي أطلقها المنتصرون أظهرتها كمنظمة أممية تشمل كل دول العالم إلا انها لم تكن جديدةً ولم تولد بعد الحرب العالمية الثانية وإنما ولدت معها حيث كان الحلفاء يطلقون على تحالفهم أثناء الحرب "الأمم المتحدة" ما يشير إلى أن الكيان الأممي الجديد إمتداد لعصبة الأمم، وهي الحقيقة التي يؤكد قرارها بتقسيم فلسطين في العام 1947 ومصادرتها للحقوق العربية في فلسطين وعدم حياديتها منذ تأسيسها وحتى اليوم، أنها وجدت لشرعنة ما تم تقسيمه ومصادرته بعد الحرب العالمية الأولى ومنح الدول الكبرى الحق في فرض هيمنتها وتدخلها في شئون الدول الضعيفة واستلاب إرادة الشعوب.