مرات وكرات نتحدث عن الإعلام وأهميته ودوره في الحياة اليوم، ونؤكد على أن أية دولة أو كيان ما لم تكن له آلة إعلامية معاصرة ومواكبة، بل وسابقة للأحداث والمتغيرات، فإن مصيره إن لم يكن الفشل فالتأخر عن عصره وعن متطلبات الحياة من حوله، فما بالنا حين يكون له خصوم ويكون لأولئك الخصوم اهتمام بعنصر الإعلام والميديا، فإنه لا شك لن يبارح دائرة الفشل والهزيمة أمام خصومه..
ومن هنا نؤكد اليوم كما أكدنا مراراً في السابق، أن الاشتغال على سلاح الإعلام أكثر أهمية من سلاح البندقية، فالبندقية قد تنطفئ نيرانها وتصوم فوهاتها، بينما ما تزال الحرب قائمةً، كما هو الحال في وضعنا اليوم في اليمن، فأوضاع النزاع منذ أكثر من عام ونصف تقريباً مستتبة عند التهدئة، على الرغم من أن أزمة اليمن مع المليشيا لم تضع أوزارها ولا أفق واضح لتوقف النزاع الفعلي عموماً..
وهنا بالضبط تقبع الحرب الأشد ضراوة لمن يعرف حقاً ماهية الحروب المعاصرة، والتي يبرز في مقدمة آلاتها الإعلام بمختلف وسائله سواء الكلاسيكية المتمثلة في التلفزيون والإذاعة والصحافة الورقية، أو وسائله الجديدة والأجد، كمواقع الإنترنت وأدوات وبرامج الاتصال والتواصل الاجتماعي الحديثة.. فمن المفترض أن تظل فوهات هذه الأدوات مشتعلة في مواجهة الخصم الانقلابي في الداخل..
نحن لا نلغي الدور القائم حالياً للدولة بجميع مكوناتها في هذا الجانب، فأدواتها متواجدة وتعمل بشكل مساير، وأشدد على وصفه بالمساير، لأنه ليس عند المستوى الذي يجب أن يكون عليه، فنحن نتحدث عن إعلام دولة في مجابهة إعلام مليشيا، والمفترض منطقياً أن المليشيا لا يمكنها أن تجاري إمكانات الدولة من كل النواحي، قدرات وكفاءات وميزانيات وأجهزة ومساحات جغرافية على الأرض وفي الفضاء أيضاً..!!
ومن المعيب جداً أن يؤثر السكون السياسي والعسكري على الأداء الإعلامي الخاص بالدولة، فينقلها إلى حالة شبه خاملة، فيما يظل مشتعلاً ومنتظماً عند المليشيا المتمردة، وأن تكتفي أجهزة الدولة الإعلامية بأن تساير إعلام الخصم، بل يجب أن تكون هي النموذج وهي من تصنع الهالة الإعلامية وواقع الميديا المعاش، فيما تظل آلة الخصم هي التي في وضع المتابعة والمطاردة..!!
وأكثر من ذلك عيباً ومأخذاً على الدولة، أن تتعامل مع ميزانيات العمل الإعلامي في ظروف كهذه، بنفس الطريقة والرؤية التي كانت تتعامل بها في السابق، في ظروف الاستقرار السياسي، فنحن نتعامل اليوم مع آلة حرب لها أهميتها القصوى، كما أشرنا سابقاً، ونحن نعيش اليوم في عصر ميداوي بامتياز، وبالتالي فإن الزمن التقني والرقمي من جهة، وظرف الحرب من جهة أخرى، يفرضان علينا أن نضاعف الإمكانات والميزانيات المخصصة بهذا الجانب لوسائل الإعلام الموجودة حالياً مرات ومرات، وأن نحرك الساكن ونستقطب أكثر الأقلام المتواجدة والمعروفة ورواد ومشاهير التواصل الاجتماعي، ليكونوا ضمن قدراتنا وكفاءاتنا إذا أردنا أن نخلق آلتنا الإعلامية الطاغية والمفترضة..
ليس مستحيلاً ولا عسيرا إذا حركنا قدراتنا الممكنة، وخططنا بالشكل المطلوب أن نجعل توجهنا الإعلامي هو التوجه السائد في كل شبر من الأرض والسماء، داخل الوطن وفي محيطه.. فقط كل ما علينا أن نؤمن به هو أن الإعلام لم يعد ما كنا نعرفه في السابق وسيلة محدودة الجغرافيا والجمهور، وإنما أصبح في أعلى مستويات الأهمية، وأكثر من ذلك في حال الحرب، لأنه بات اليوم يحتل رأس الهرم في قائمة أسلحة وحاجيات الحرب الحديثة والمعاصرة.