بداية القول لا بد من الإشارة إلى أنه لا يكاد يخفى على مطلع أن أي حدث ملم أو تغير سياسي خصوصاً في الشرق الأوسط والمنطقة العربية تحديداً، سواء أكان ذلك الحدث أو التغير سلبياً أو إيجابياً والأغلب للخيار الأول، لا بد وأن توجد للأيادي الأمريكية والبريطانية فيه أثر ودور، إن لم يكن كل الأثر والدور، وتحولات ومتغيرات معظم إن لم يكن كل الأحداث ومرجعياتها في المنطقة العربية تسوق المستطلع والمتابع دائماً إلى هذه الحقيقة.
الأمر ذاته ينطبق على الأحداث الجارية الآن في قطاع غزة الفلسطيني، يبين استجلاب القوة وإدارتها وإدارة أدواتها بما في ذلك التصريحات السياسية والتوجه الإعلامي، إلى أن أمريكا وبريطانيا بما لهما من نفوذ قوة وتحالفات وضغوطات، هما من تقفان على مقود هذه الأحداث، وأن اسرائيل مجرد واجهة اسمية يتم عبرها تنفيذ مشروع تجزئة وتفتيت للوطن العربي، بقصدية عدائية، شبه استعمارية، غرضها إبقاء المنطقة في تنور متغيرات عاصفة، تصب في مجملها في صالح المحتل الصهيوني، ومن ورائه استعمار خفي وظاهر، له أهداف استراتيجية عدة.
علينا التساؤل اليوم: هل تمتلك اسرائيل الجرأة والقوة الكافيتين لتجعلاها تتصرف بهذه الهمجية التي نتابعها في حرب الإبادة القذرة التي تمارسها في حق الفلسطينيين بقطاع غزة..؟! وفي محيط عربي معظم جغرافيته وشعبيته ملغم بالعدائية والكراهية لها، أو على أقل تقدير بالرفض لاحتلالها جزءاً من جغرافية الأرض والحضارة والتاريخ العربي متمثلاً في فلسطين المقاومة بدرجة أولى وأساسية..؟!
بالطبع لا ومن المستحيل أن تجرؤ إسرائيل على القيام بأية حماقة بحق أي قطر عربي ما لم يكن ثمة ظهر مساند لها في ما تمارسه من عبث لا يمكن أن يكون مقبولاً، في الوعي الإنساني الجمعي، وهو ما تظهر اصداؤه الرافضة في كافة أنحاء العالم تقريباً، وليس داخل فلسطين ولا المجتمع العربي تحديداً وحسب..
لقد بات من الضرورة أن تعمل أنظمة المنطقة عموماً أياً كان مستوى العلاقات القائمة بينها وبين بريطانيا وأمريكا مجتمعتين أو مفترقتين، على فضح هذه الأدوار المدانة بالتآمر ليس على فلسطين وحسب، وإنما على بلدان الوطن العربي عموماً، فلا يكاد يخفى أن في ملف كل بلد عربي يشهد أزمة أو عدم استقرار، بصمات تظهر واضحة للأصابع الأمريكية والبريطانية وآثار لا تقبل التشكيك..
على المجتمع العربي اليوم وبالذات منه السياسي، أن يخرج من عباءة التحالفات والصداقات الضارة بواقعه ومستقبله، وأن يوجه أصابع الاتهام إلى الجاني، ما لم فإن ما يحدث في غزة لن يكون إلا فاتحة جديدة لما هو أسوأ وأبشع، ولا أدل على ذلك مما تسربه هاتان الدولتان الاستعماريتان من تهديدات شبه يومية باتساع حرب غزة، ففي هذه اللهجة تلويحات واضحة ومباشرة إلى أن هناك مشروعاً لتفتيت استقرار المنطقة عموماً، وقد بدأ من غزة.