رغم بشاعتها ومنافاتها للواقع وتعارضها مع كل قانون موضوع أو فطري، استطاعت حرب الصهاينة العدوانية على قطاع غزة، أن تكشف ملفات كانت قصية عن الإدراك المؤكد، وتقلب صفحات خطيرة كانت طي الشك في أحسن الأحوال.. ومن أهم تلك الملفات موقف الغرب السياسي من القضية الفلسطينية والاحتلال الصهيوني للأراضي العربية، فسرعان ما تصدرت دول الغرب مشهد الحدث في البداية داعمة دعما سياسيا مطلقا ومفتوحا وشرسا، ضارباً بكل دعاوى ومظاهر المدنية والإنسانية التي كثيرا ما يتشدق بها الغرب، ويزايد بها علانيةً عبر منظماته ومؤسساته الدولية..!!
وقد بدا الأمر منظما ومعدا له بشكل استراتيجي مسبق من تلك الدول، فلم تمر بضعة أيام حتى تعزز ذلك الدعم، بدعم عسكري وحربي، عبر تعزيزات بالقوة وأحدث تقنيات السلاح العصرية، على مشهد من العالم أجمع، الذي بدأ يعلن عن رفضه، بما في ذلك شعوب تلك الدول، رفضاً لتلك الوحشية البربرية التي مارسها ويمارسها الجيش الإسرائيلي بحق الفلسطينيين من مجازر بشعة ولا معقولة ولا مقبولة، في قطاع غزة الذي يعتبر واحدا من أغزر المعمورات البشرية ازدحاما بالسكان..
ورغم الاحتجاجات التي شهدتها معظم دول العالم، بما فيها الدول الداعمة لإسرائيل، رفضا لتلك المجازر، إلا أن سياسيي هذه الدول، ظلوا في طور التشجيع للجيش الإسرائيلي على التصعيد وتوسيع بل وتضخيم الحرب على إخواننا أبناء غزة، الذين أبدوا مقاومة أقل ما يمكن وصفها به أنها شجاعة وباسلة، على الرغم من فارق القوة والتسليح والتجهيزات بين المقاومة وبين قدرات وإمكانيات الصهاينة المحتلين والمعتدين..!!
كل هذا الوصف الموجز، وما هو إلا عنوان جانبي لسفر كبير من التآمر والطغيان الغربي على غزة، كان كافيا ليعكس ويؤكد ما يكنه الغرب لمشرقنا وعروبتنا من حقد كبير، وكانت الأحداث كفيلة بتوضيح أن من يقود هذا العدوان هما أمريكا وبريطانيا، وهما الدولتان اللتان لم تسلم منطقتنا العربية، منذ تاريخ طويل وعبر حقب زمنية متوالية، من طمعهما الاستعماري القبيح، والذي تحاولان جاهدتين تغليفه وتوشيته، بمساع وأنشطة وعلاقات تتظاهر بمسميات ومصطلحات إيجابية كالتعاون والصداقة والمظاهر الإنسانية، وهي أبعد ما تكون عن تلك المعاني النبيلة والمعاصرة، التي تحاول أن تؤكد بأن العالم قرية صغيرة، وأن من حق الإنسان الجديد العيش فيه ليس بكرامة وحسب، وإنما بأقصى ما يمكن من الرفاهية..!!
تعرض العالم وما يزال يتعرض، مشرقه ومغربه، للخداع من قبل هذه الدول وفي مقدمتها أمريكا وبريطانيا، ولكنَّ حدثاً كحرب روسيا وأوكرانيا، مؤكدا بالعدوان الصهيوني على غزة، كاف ويزيد عن الكفاية، ليكشف عن أنياب الغرب المتحضر ومخالبه التي تنغرس في جسد العالم وبالذات العالم العربي، محاولة نهشه ونهبه والاستيلاء ليس على ثرواته ومحاولات اقتياد إنسانه بمختلف الطرق المعاصرة، وتحت لافتات إنسانية ماكرة وزائفة لا يعنونها حقا، مثل الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان، وغير ذلك من اللافتات الدعائية التي لا يتم مراعاتها أبدا عندما يرتبط الأمر بمصالح الغرب ومطامعه البشعة..!!