ربما معظم إن لم يكن كل من تناولوا حرب غزة تعليقا وكتابة وتحليلا، تناولوها من جانبها السلبي نظرا لبشاعة مؤداها ومأتاها وحصائل خسائرها الدموية والتدميرية بشريا وماديا، والجميع يستبعدون أو حتى لا يجرؤون بفعل العاطفة والبعد الإنساني على النظر باتجاه أي خيط ضوء قد يتسلل من كل هذا الغبار وهذا الظلام.. فيما قد يقع خيط الضوء هذا على حقيقة أو حقائق مهمة تكشف كثيرا مما قد يحسب مبهما وغريبا ليس في آليات وتفاصيل هذه الحرب العدوانية التي تشنها الصهيونية على إخواننا وأحبائنا الفلسطينيين في قطاع غزة وحسب وإنما أيضا في بعض من واقع المنطقة عموما..
نحن، مع تناولنا لهذه الحرب العدوانية ومع وضوح موقفنا الرافض لها ومن قبلها للاحتلال الإسرائيلي من أساسه، حاولنا منذ كتابات سابقة أيضا تتبع أي خيط ضوء وما يقع عليه من حقائق وأشباه حقائق واحتمالات، وكشفنا في مقال سابق لهذا على سبيل المثال الوجه الآخر في مظهره البشع للموقف الغربي من هذه الحرب الظالمة ومماثلة هذا الظهور ببشاعته وهمجيته سابقا في الحرب القائمة والمستمرة بين روسيا وأوكرانيا.
في هذا المقال نتطرق إلى نقطة ضوء مهمة جدا تكشف عمليات تخادم ربما نتناولها لاحقا بعمق واستفاضة في مختلف جوانبها، وكل أطرافها وأقطابها دوليا وإقليميا.. ولكن هنا نتوقف عند أمر ذات خصوصية متعلقة بشأننا اليمني في هذا التخادم، وتحديدا فيما يخص جماعة الحوثي الانقلابية، التي يظهر بوضوح منذ الأسبوع الثاني في الحرب على غزة، أن هناك من استحضرها وجرها إلى ساحة التطورات المتعلقة بالحرب..!!
في بداية الأسبوع الثاني تقريبا للحرب، لم نفاجأ نحن وحسب، بل فوجئ الحوثيون أنفسهم بأنباء صيغت في مطبخ دولي خفي، حول إطلاقهم صواريخ تحاول استهداف إسرائيل، تلاها صمت وذهول من قبل الجماعة، دل وأكد على أنه لا علاقة لهم بشيء من هذا..!! ومضت أيام قبل أن يبدأ الإعلام الحوثي في الترويج لعمليات إطلاق صواريخ وطائرات مسيرة.. وصنف كل ذلك واقعيا ضمن بروبجندا إعلامية لا أكثر لأنه لا أثر فعلي دالا عليها، وبدأوا في تفعيل حضور زائف في هذه الأحداث عبر دعاوى عملياتية عسكرية لم يثبت حدوثها واقعيا وتصريحات وبيانات كلها مجرد كلام في الهواء..!!
وتوالت الأخبار، التي لم يكن بالتأكيد مصدرها الأول إعلام الحوثي المحدود والمحصور في جغرافيا وقدرات معينة، حول مواقف وعمليات وهمية تحاول تقديم الحوثي إلى واجهة المشهد.. والفاعل الحقيقي لتلك الأنباء كان ذاته المصدر، مطبخ إخباري دولي خفي، تديره دون أدنى شك أجهزة وجهات غربية احترافية، تبرع في إدارة وتفعيل هذه الوسائل والطرق التي لا يمكن أن تدار من مليشيات متمردة ومقصية في جغرافيا محدودة، أيا كانت قوتها وعلاقاتها..!!
نقطة أخرى وقع عليها أحد خيوط الضوء الصغيرة والدقيقة في ذات الوقت، وتمثلت في التخطيط لاختطاف سفينة تجارية خاصة تمتلكها مؤسسة تجارية عالمية، قادمة من تركيا باتجاه أقصى الشرق، على أنها سفينة اسرائيلية، وأنه تم اختطافها لإظهار موقف مناهض لاسرائيل وحربها على غزة..!! والمثير في الأمر برمته والذي يثبت عمليات التخادم التي ذكرناها، أنه لا موقف دولي من عملية الاختطاف هذه، ولا مطالبات دولية رسمية وجادة بإطلاق السفينة ولا حتى الحديث لا من قريب ولا من بعيد عن طاقمها..!!
بل ويترد في أبرز الأنباء التي انتشرت دوليا انتشار النار في الهشيم، أنه تم اختطاف هذه السفينة التجارية على مقربة من بارجة حربية أمريكية، بدا وكأنها في المكان ذاته وفي ذات التوقيت، ليس لحماية السفينة التجارية كما قد يتبادر للذهن، وإنما لحماية خاطفيها..!!
ولا أدل على ذلك ربما من أنها، أي البارجة الحربية، لم تحرك ساكنا خلال عملية الاختطاف..!! ويبدو من مثل هذا التخادم أن هناك من يحاول إنقاذ الجماعة المتمردة وإعادتها إلى الواجهة وصدارة المشهد ليس يمنيا بل عربيا وعالميا أيضا، في وقت كانت الجماعة المتمردة قد بدات فيه تعاني تهاويا كبيرا في وعي وموقف الشعب اليمني، الذي بدأ يحاصرها ويضايقها بمطالب ومساءلات محدقة خلال الهدنة القائمة بينها وبين الشرعية.. تلك الهدنة التي تتبنى محاولات إخراج اليمن من مأزق هذا الانقلاب.. وهو عمل كما يشير محللون متخصصون لا يخدم البتة الاستراتيجية الغربية والأمريكية البريطانية تحديدا في المنطقة.