في الوقت الذي تمزق مقاتلو ميليشيا الحوثي شر ممزق ، وبدأوا بحزم ما خف وغلا من بقاياهم في الحديدة، استنفرت الدول المعنية بالأزمة اليمنية وفي مقدمتها بريطانيا بشكل لم يعهد من قبل، لتوقف زحف القوات التابعة للشرعية، والتي كانت على وشك تحرير مدينة الحديدة وجعلها مدينة آمنة وخالية من شرور هذه العصابة المتمردة والمنقلبة على الشرعية المعترف بها دوليا.
كانت قوات حماية الجمهورية والعمالقة قد بدأت الإعلان عن سيطرتها على أهم المواقع والمناطق والطرقات بعد تمزيقها وتشتيتها لمقاتلي الميليشيا، الذين لم يتبق لهم غير طريق عودة أو بالأصح طريق فرار واحد كان قد بدأ يزدحم بإدبارهم وفرارهم من مدينة الحديدة كل المدينة..
وقد كان لتلك الهزيمة الماحقة للميليشيا آثارها على مختلف جبهات المواجهة، حتى في العاصمة صنعاء نفسها، ولم يكن الأمر بحاجة لشيء عدا عامل الوقت، لتنهار معظم إن لم يكن كل جبهات القتال على رؤوس الانقلابيين ودفنهم تحت غبارها.. ولكن ما هي إلا ساعات حتى وجد الحوثيون يدا تمتد لهم من بعيد، وتربت على فرارهم ومؤخرات رؤوسهم: أن عودوا آمنين..!! فسرعان ما تدخلت بريطانيا وعبر سلطنة عمان، ودعت ملهمة بقية دول الرباعية المعنية بالأزمة اليمنية وبالاشتراك معها، إلى إيقاف إطلاق النار، تمهيدا لعقد مفاوضات بين الطرفين أطلق عليها مفاوضات استوكهولم..
لم تكتف بريطانيا ومعها دول الرباعية، التي كانت وما تزال مظلة لكل تطورات ومتغيرات الأزمة بذلك، بل زادت عليه بأن أجبرت قوات الشرعية المنتصرة على العصابة، على التراجع من المناطق التي حررتها ومنعتها من دخول المناطق التي فر منها مقاتلو المليشيا الانقلابية، والتي كانوا قد حولوها إلى حطام وجعلوا ما تبقى من مبانيها الخاوية، التي كانوا يستخدمونها متارس ومخابئا، إلى مساكن أشباح.. والأدهى من ذلك أنهم لم يخرجوا ويتركوها آمنة، بل بذروا أراضيها وزرعوا جدران مبانيها بآلاف الألغام بشكل عشوائي ودون خرائط، وهو ما تسبب فيما بعد في نفوق المئات من مقاتلي المليشيا، بعد فرض التراجع على قوات الشرعية وعدم دخولها، وعودة كل طرف إلى أماكنه ومواقعه قبل اندلاع المواجهات، وكأن قوات الشرعية لم تفعل أو تحرز شيئا..!!
ومن هنا.. من هذه النقطة تحديدا وما تلى ذلك، تبدل واقع المواجهات بين قوات الشرعية ومقاتلي العصابة المنقلبة، بشكل يضع أمام المتابع ألف سؤال وسؤال، فسرعان ما تحولت قوات الشرعية من مبادرة في التقدم ومطاردة جماعات وفلول المليشيا ومناثرتها، إلى طريدة وسلبية وشبه منهزمة ومتراجعة، وتولت المليشيا زمام المبادرات ومهاجمة قوات الشرعية في كل موقع ومنطقة وجبهة، وبدلا مما كانت الشرعية تحاصر العاصمة صنعاء وعلى وشك تحريرها، وصلت مليشيات العصابة المتمردة إلى حدود مدينة مارب وتطويقها من ثلاث جهات، وحملت عليها بكل ما تمتلك من قوة وعتاد طمعا في الإطاحة بالمدينة التي أسالت لعاب المليشيا لما تمتلكه من مكانة في قوام الشرعية من جهة، ومن جهة مادية كونها منبع وموردا مهما للثروة بوجود حقول النفط والغاز فيها.. والمعروف عادة أن رائحة المال بالنسبة للحوثيين بمثابة رائحة السمك لقط جائع..!!
عموما ووقوفا عند أهم ما حدث ويحدث حتى اليوم يبرز التساؤل ملحا ومؤسفا.. كيف تحولت العصابة إلى قوة فاعلة ومبادرة وغدت قوات الشرعية إلى طريدة، فباتت الجماعة تزعم أنها تريد تحرير اليمن من الشرعية، بعد أن كانت الشرعية، وهو الأمر الطبيعي، هي من تطارد الحوثيين كجماعة انقلابية متمردة وخارجة عن النظام والقانون وتهدف إلى تحرير وتطهير الأرض منها..؟! وكيف استطاعت الدول الراعية والمعنية وفي مقدمتها بريطانيا، ليس الوقوف حائلا دون القضاء على المليشيا وحسب، بل وصل الأمر أيضا إلى كبح جماح الشرعية والحد من تقدماتها في كل منطقة وجبهة، لتغدو طريدة، وذلك بفرض نمط محير من السلبية عليها، ما أعطى العصابة الفرصة لتقوي نفسها وتمتن جبهاتها وتغدو الطرف الفاعل والمؤثر والمتحكم في تحريك القتال، بل والطرف الذي يتهرب من الاستحقاقات ويملي شروطه وكأنها الطرف الأقوى وليست بالطبع كذلك لولا التدخلات الموهمة..
أسئلة بالطبع لن تجيب عليها بريطانيا ولا أمريكا لا في الوقت الراهن ولا لاحقا، وليستا معنيتين واقعيا بالإجابة عنها.. وإنما تظل الشرعية هي الطرف المعني بالإجابة عنها وتقديم التفسيرات المقنعة بها.. الشرعية نفسها التي ما تزال حتى اللحظة تتهرب من وضع اليمنيين أمام حقائق ما حدث وما يزال يحدث حتى الآن..!!