اليوم لم تعد عملية التخادم التي تستهدف المنطقة العربية قابلة للجدل ومحاولات التغطية والتورية، فتوالي وكثرة الأحداث التي تصب في وعاء تأكيدها قد بدأ مؤخرا ينزاح من ذلك الوعاء، ويلفت الانتباه، مما يجعل التخادم مكشوفا وعارياً كأعرى فضيحة، كما يقول شاعر العربية وفيلسوفها اليمني المبصر عبدالله البردوني رحمه الله في إحدى قصائده.
ولن نقول أننا نكشف جديداً حين نتحدث عن التخادم الحاصل مثلاً بين أمريكا وإسرائيل وفي هبتهما بريطانيا التي تبدو كسراب ثم تتخفى وراء الوقائع والأحداث، فهذا معروف منذ وطأت قدم إسرائيل النجسة أرض المنطقة، مدفوعة لتكون الفتيل الأول لإشعال الأزمات والقلاقل والشرور في أرض العرب، ولتكون قدما أولى في مشروع استعماري خبيث تقف وراءه دول طامعة.
إن ذلك أمر مفروغ منه وكشفت أوراقه وطيرتها رياح الزمن وملفات الجدوى والنتائج، التي صورت المنطقة بوضوح كهدف استراتيجي لقوى استعمارية تنفذ استعمارها بطرق كيد وأساليب مكر عصرية للغاية، تطورت اليوم لتُدخل أقدامه المتسخة إلى داخل المجتمع العربي، وتكون جزءاً متماثلاً من مكونات هذا المجتمع، حاملة شعارات القومية والدين والعروبة المضادة بزيف لا مزيد عليه..!!
لقد أنشأ الاستعمار الجديد اليوم مؤسساته في أرحام جماعات وتنظيمات لا تفتأ تدعي عداءها له، لتبعث الاطمئنان في قلوب شعوب عربية اضطرها العداء المقابل لأن تكن الكراهية لأي استعمار، مهما حاول أن يبدو حميداً، لأنها تعلم جيداً ما يكنه من خبث ودهاء وعدائية للهوية العربية، فضلاً عن طمع ذي أنياب سامة في مقدرات هذا الجزء من الأرض الغني بالثروات النفطية التي تغطي جزءاً كبيراً من احتياجات العالم للطاقة..
وكما استخدم الاستعمار تنظيمات وجماعات استغنى، ربما مؤقتاً وربما نهائياً، عن بعضها كالقاعدة وداعش، بسبب ما أشرنا إليه من انكشافات وتعرية، هاهو اليوم يحاول أن يجدد يفاعته، من خلال جماعات أخرى، كحماس وحزب الله والنصرة وأخيراً جماعة الحوثيين في اليمن، بل ودول أيضاً كدولة إيران التي تعتبر الوتد الموازي الآخر الذي نصب مع إسرائيل لإقامة خيمة الاستعمار في المنطقة العربية.
هاتان الدولتان ومعهما التنظيمات والجماعات المذكورة هي التي تعمل اليوم بكل طاقاتها لإطالة وتجديد روح الاستعمار في ثوبه العصري الجديد، وليس أدل على ذلك مما تضفيه أجهزة الاستعمار الاستخباراتية عبر هذه المكونات من عصف متضارب يحاول إحداث الارتباك في الوعي الجمعي العربي واضطراره للتسليم بالأحداث أياً كانت ودون ضرورة لاستكناه جوهرها وواقعيتها وأسبابها..!!