خلال زيارتي لإحدى الدول العربية استمعت من أصدقاء من ذات البلد شكاوى مريرة بخصوص ما تجنيه الدولة من جبايات وإيرادات حكومية مجحفة ومؤثرة بشكل كبير على الحياة المعيشية للمواطنين حيث صارت تلك الجبايات والإيرادات تستهلك معظم ما يجنيه الفرد من دخل.. والملاحظ أن تلك الموارد تجبى بموجب قوانين ومواد موضوعة ومسنونة بشكل نظامي، تحت مبرر قد يهون بعضا من البلاء وهو أن ذلك البلد شحيح الموارد الطبيعية والثروات التي يمكن أن توفر دخلا وطنيا يغطي الاحتياجات والخدمات العامة أو على الأقل جزءا منها.
عموما عدد لي أصدقائي أولئك أشكال ومسميات تلك الموارد والجبايات، وهم يتندرون على حكومتهم كيف تبتكر الصفات والمسميات، مؤكدين على أنه لا دولة أخرى في العالم لديها ذلك القدر من الابتكار في مجال الإيراد وتحميل كاهل الشعب بتلك الجبايات المجحفة، ولم يكن لي من مجال خلال الحديث عدا الاندهاش وموافقتهم في السخرية والتأكيد على سوء الحال، وفي فكرة انعدام النظام الشبيه لنظام دولتهم القائم على الجباية والاعتماد بشكل رئيسي على المواطن كمصدر أساسي لتلك الجبايات..
لم أعلم يومها أن سخريتي تلك ستنقلب على رأسي ورأس شعب بأسره ووطن يمتلك من الموارد ما يكفي لسد حاجة سكان الجزيرة العربية، لو استخدمت واستثمرت على الوجه الأمثل..!! لم أعلم حينها أن يوما سيأتي على اليمنيين يكون المتصرف في شئون الشعب جماعات سياسية وعنصرية، لا يعنيها من مسمى الوطن عدا ما تحققه لنفسها من مكاسب مادية وسياسية، ومن الشعب إلا كيف يمكن أن يكون مصدرا نافعا لبناء الثروات والإقطاعيات الخاصة..!!
وهذا ما تعتمد عليه حاليا وبشكل أساسي مليشيا الحوثي الانقلابية في مناطق سيطرتها، والتي جعلت من الشعب وجهتها الأساسية ليكون مصدرا للجباية.. وفيما تتم تلك العمليات الجبائية في البلد المشار إليه أعلاه بقوانين ومواد قانونية مستمدة من شكل النظام القائم، تفرض هنا في صنعاء المحتلة من قبل عصابة الحوثيين فرضا قسريا، دون الحاجة لقوانين أو مواد قانونية أو دستور أو أي مسوغ نظامي آخر..!!
وعند مراجعة حديث أصدقائي المذكورين أعلاه وتندرهم من بشاعة الحكومة وتعاملها غير المنصف مع المواطنين وغير المراعي لظروفهم وحاجاتهم، وحجم التندر الذي دار في دائرتنا يومها حول ابتكار الأشكال والمسميات التي تنم عبرها عمليات الجباية، ومقارنة كل ذلك وبكل أبعاده وثقله بما يفعله الحوثيون الآن باليمن واليمنيين في ذات السياق، أشعر بأضعاف مضاعفة مما شعرت به من أسى وتعاطف تجاه شعب ذلك البلد الشقيق..!!
وفي الحقيقة أن شعوري هذا لا يأتي على سبيل التعاطف المتعصب كوني أنتمي لليمن وليس لذلك البلد، فأنا أبعد ما أكون عن التفكير بتلك الطريقة، وإنما تفرض علي المقارنة حتى كإنسان محايد مثلما أظنها ستفرض على أصدقائي أولئك، ذلك الشعور بالأسى المضاعف مرات ومرات، لما يلمس من توحش يجتاز الحدود ويكسر أعناق الاحتمالات لما تمارسه عصابة الحوثيين في حق الشعب اليمني.. فالحال المأساوي هنا في اليمن نتيجة ذلك التوحش يحطم أية أرقام قياسية ويتجاوز الممكن بمسافات لا تكاد تدرك..!!