وكأنما منحوا هدية كانوا ينتظرونها ويضعونها في مصفوفات أمنياتهم.. تلك الأمنيات القائمة على حساب كل شيء طبيعي وواجب، بما في ذلك على حساب المصالح الجمعية للشعب الذي لم يكن يوما ما في حسابهم أكثر من مصدر استغلال، وعلى حساب الوطن الذي لم يثبتوا لحظة من اللحظات خصوصا طوال هذه العشر السنوات الكئيبة بهم، أنهم يراعون أية مصلحة تعنيه، بقدر ما أكدوا ويؤكدون على الدوام استعلاءهم على الانتماء إليه وعلى الاعتراف بحقوقه الواجبة عليهم كمنتمين إن حدث واعترفوا بذلك الانتماء..!!
لم يتبق إلا أن يعلنوا احتفاء رسميا مهيبا، بمناسبة الغارات التي شنها شركاؤها الجدد وفي مقدمتهم أمريكا وبريطانيا، وقد احتفوا حقا بذلك القصف، وإن كان احتفاء بينيا غير ظاهر، إلا أن في تفاعلهم وتصريحاتهم السياسية والإعلامية من النشوة والتعالي ما يدل على ذلك الاحتفاء، وذلك بكون هذه الهجمات وفي هذا التوقيت تحديدا تقدم لهم خدمة ضرورية ومهمة، وتنبع أهميتها من كونها تلبي حاجة ماسة كانت تدور ملحة في خلدهم ومباغيهم..
المتابع لرد فعل العامة والخاصة حول هذه الغارات التي لم يثبت أبدا أنها أحدثت ضررا لا بالغا ولا حتى بسيطا على جماعة الحوثيين الانقلابية، بقدر ما خدمتهم كما أشرنا، سيجد أن ما يتجاوز نسبته 90٪ من ردود الفعل والموقف والتعليق، باتوا يتأكدون ويؤكدون على أن الجماعة الإرهابية الانقلابية أصبحت تحظى اليوم بظهر قوي تستند عليه، متمثلا في الرعاة الرسميين لأوضاع المنطقة وتحركاتها بما في ذلك أزماتها وواقعها الاستراتيجي الإقليمي الذي من الواجب أن يخدم مصالح أولئك الرعاة، وفي مقدمتهم بطبيعة الحال والواقع أمريكا وبريطانيا..!!
وبنظرة خاطفة وسريعة على حال الجماعة الانقلابية سياسيا ومجتمعيا، سنلحظ التغير المتسارع وتحول وضع المليشيا من منتصف اكتوبر الماضي حيث كانت قبل ذلك قد وصلت إلى مأزق خانق مع اليمنيين، تم تخفيفه ربما إلى حد التلاشي التام بل والوصول أيضا إل تعزيز في الشعبية والاصطفاف، وذلك باستغلال أحداث غزة وحشو الجماعة حشوا قسريا في متوالياتها بطريقة ذكية وفعالة وسريعة الفعالية، ونتذكر جيدا كيف تم ذلك الحشو بمبادرة أمريكية بتصريحات عسكرية غاية في الغباء وغير متوافقة مع الواقع والإمكانات..!!
ومع ذلك نجح الأمريكان في إضفاء صبغة رمادية ساعدتها العاطفة والمواقف تجاه ما يحدث من عدوان على غزة، لتقدم للحوثيين خدمات غير مدفوعة الثمن حتى الآن..!! وبدلا من أن كانت الجماعة قد أصبحت في قلب مأزق سياسي وجماهيري محدق ومهدد لوجودها وشعبيتها، تصدرت الجماعة أنباء الأحداث في المنطقة وربما في العالم، وبدأت جماهيريتها تتعدى حدود اليمن إلى عموم الوطن العربي وكل المتعاطفين شرقا وغربا مع القضية الفلسطينية..!!
نعم هذا ما تفعله القوى المسيطرة والمستأثرة بإدارة الأحداث والمتغيرات في المنطقة، والتي يظل اشتعال المنطقة بالأزمات وشغل شعوبها بالأحداث الدراماتيكية المؤثرة، هدفا مهما ينأى بالجميع بعيدا عما تنفذه تلك القوى من مشاريع استراتيجية لا تخدم غير مصالحها وعلى حساب كل بلدان المنطقة، بل على حساب كل إنسان عربي ينتمي إلى هذه الهوية الموحدة ويقطن هذه الجغرافيا الموبوءة بجشع الاستعمار الغربي منذ زمن غير قصير وعصور متوالية.