استمرار المذبحةِ في غزة مكلفٌ لدول المنطقة وللاقتصاد العالمي. مكلف أيضاً لمصالح أميركا وصورتها في وقت تغرق فيه في رياح الانتخابات. مرة جديدة لا بدَّ من الطباخ الأميركي على رغم القلق من وجباته والشكوك بنزاهة تعامله مع المقادير.
في السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، سدَّدت «حماس»، بقيادة يحيى السنوار، ضربةً غير مسبوقة إلى إسرائيل. كشفت الضربة هشاشة أمن إسرائيل وغفلة مؤسساتها وهزَّت صورة الجيش والمؤسسات الأمنية وبثَّت الرعبَ في المستوطنات والمستوطنين. استدعى الزلزال أميركا. جاءت برئيسها وأساطيلها وذخائرها وصارت مشاركة مبعوثيها في اجتماعات «حكومة الحرب» مشهداً عادياً. ألقت أميركا بثقلها ورصيدها فأطلق بنيامين نتنياهو حرباً مدمرةً أغرقت غزة بركام البيوت وجثث الأطفال.
أعطت أميركا المؤسسة السياسية والعسكرية في إسرائيل فرصةً متماديةً لتحقيق الانتصار. لكن زمن الضربات الإسرائيلية القاضية انتهى، فحرب غزة مختلفة بمسرحها وطبيعتها. والآنَ في الشهر الرابع من الحرب صار السؤال الوحيد من يستطيع وقفَ الحرب التي يفوق استمرارها قدرة المنطقة على الاحتمال.
من دون أميركا لا تستطيع إسرائيلُ مواصلةَ الحرب. ومن دون أميركا لا يمكن «بلورةُ أفقٍ سياسي» يبرّر لـ«حماس» الرجوع من الحرب أو يضطرها إلى الرجوع منها.
واضح أن مهمة الوسيط الأميركي لا تقل عن توزيع السم بمقادير على الأطراف. أمضى نتنياهو حكمه الطويل في اغتيال فكرة الدولة الفلسطينية فكيف يسهلها اليوم؟ وأطلقت «حماس» زلزال أكتوبر فكيف توافق على التنازل عن السلطة ولم تجردها الحرب حتى الساعة من الصواريخ والأنفاق؟ وأبقَى الرئيس محمود عباس السلطةَ الفلسطينيةَ شبه حيةٍ على رغم ممارسات نتنياهو والطلاق مع «حماس» فكيف يقبل أفكاراً لها رائحة الوداع؟ ثم إنَّ نتنياهو يعتبر الدولة الفلسطينية أخطرَ بكثيرٍ من «طوفان الأقصى». والسنوار يعرف أنَّ قيامَ الدولة الفلسطينية مشروط باعترافها بإسرائيل وضمانات دولية للدولة العبرية.
الدولة تعني لنتنياهو تجرُّعَ السُّم. والاعتراف بإسرائيلَ يعني للسنوار تجرُّعَ السُّم. كيف سيتمكن الطَّباخ الأميركي من توزيع مقادير السُّم على المتحاربين الذين ذهبوا بعيداً؟ هذا من دون أن ينسى أنَّ قيام الدولة الفلسطينية يعني أيضاً مصادرة الورقة الفلسطينية من إيران ومحور الممانعة وهي مصادرة كانت بين أسباب سقوط «اتفاق أوسلو».