"لا بد من صنعاء وإن طال السفر" بهذا الشطر من البيت الشعري الذي أصبح مقولة ومثلاً، وصف الإمام الشافعي بُعد الوجهة ومشقة السفر ووعورة الطريق في زمنٍ القوافل وبدائية وسائل النقل والسفر الذي أصبح في عصر السرعة وتحوّل العالم إلى قرية صغيرة، أكثر بعداً وأكثر مشقةً، لدرجة أن الوصول إلى صنعاء لم يعد يحتاج لإرادة وفتوى وعزيمة الشافعي بقدر ما أصبح المسافر في حاجةٍ لمعجزةٍ تمكنه من تجاوز قُطَّاع الطرقات الجدد وإزالة موانع السفر من عقلية الحوثيين.
وإذا كان من الجميل أن يستجيب رجالات الدولة في مارب وفي الساحل الغربي لمطالب أبناء الشعب اليمني بفتح الطرقات وإزالة الموانع التي مزقت البلاد وصنعت واقعاً مأساوياً وهماً وعبئاً أثقل كاهل اليمنيين، فإن القبح يتجلى في أبشع صوره في رد الحوثيين الذين قابلوا مثل هذه المبادرات بالمزيد من التعنت والرفض غير مكترثين بما يعانيه ملايين اليمنيين وما يتجرعونه من مرارات كل يوم وكل لحظة وفي كل خطوة يحاولون تجاوزها للوصول إلى أهاليهم.
قبح الرد الحوثي لم يتوقف عند حدود رفض التجاوب مع المطالب الشعبية بفتح الطرقات، بل اتجهوا لشيطنة الطرف الآخر واستثمار المبادرة إعلامياً والحديث عن إعلان فتح طريقي مارب والجراحي من جانب واحد على إنه اعتراف من حكومة الشرعية يؤكد أنها هي من تقطع الطرقات وتصنع معاناة اليمنيين ..
وفي تناقضٍ عجيب تدعي أبواق الميليشيا بأن عدم تجاوبها مع المبادرات والدعوات المنادية بفتح الطرقات وتسهيل عملية تنقل المسافرين، يأتي من واقع حرصها على أمن وسلامة المواطنين في مناطق سيطرتها، مدعية أن فتح الطرقات سيفتح الباب واسعاً لدخول الدواعش والإرهابيين وأن عملية إغلاق الطرقات تحول دون وصولهم وتمنعهم من تنفيذ عمليات إرهابية تستهدف المواطنين في صنعاء والمدن الأخرى، مستشهدين بنجاح سياسة الأئمة في حماية سكان مدينة صنعاء من خلال إغلاق أبوابها مساءً أمام المسافرين ومنع القبائل من المبيت فيها.
وإذا كان لابد من صنعاء رغم مشقة وطول السفر في مفهوم وفكر الإمام الشافعي فإن حتمية الوصول مستحيلة في مفهوم قُطَّاع الطرقات الحوثيين الذين لا يؤمنون بالشافعي ومبادئ وقيم التسامح التي جاء بها الإسلام قدر إيمانهم بما تضمنته ملازم الهالك من فكر يقوم على نشر الكراهية وتمزيق المجتمع اليمني، وهو ما يعبرون عنه من خلال زواملهم التي تؤكد أن "صنعاء بعيدة.." وتعمق الخلافات وتقسم اليمنيين إلى فئات.. وما بين مشقات السفر في مقولة الإمام الشافعي وموانع الوصول اليوم تبقى جماعة الحوثي أكبر المشقات والعوائق التي يجب على اليمنيين إزالتها ليتمكنوا من الوصول وبلوغ وجهاتهم..