منذ بداية انقلابهم يعيش الحوثيون حالات من الارتباك ووضع التساؤلات، ثم ما يفتأون أن يتجاهلوا الأمر عندما لا يجدون إجابات مقنعة لكل تلك التساؤلات التي تتكاثر وتتضاعف من حدث أو متغير لآخر، بل من يوم لآخر، ولكنهم لا يفوتون أن يستثمروا ذلك لصالحهم، ويحققوا مزيداً من الاطمئنان، وذلك بطمأنة أتباعهم بأحقية بل حتمية وجودهم، وبأن الله تعالى يقف إلى جانبهم ومن ورائهم، وأنه هو من ييسر ويسخر لهم المتغيرات والظروف لاستمرار انقلابهم..!!
القيادات الكبرى في الجماعة تدرك جيداً منذ بداية الانقلاب أن هناك من هيأ للحركة كل ما تحقق ويتحقق لصالح ذلك الانقلاب، وتعلم جيداً أن إمكاناتها، سواء في الماضي أو حتى في الوقت الحاضر، أدنى بكثير جداً من أن تحقق ما تحقق لها حتى الآن، وأن ثمة يداً بل أيادي أمضى وأكبر حجماً وسلطة وقوة، هي من تشق وتعبد الطرقات التي عبروها حتى وصلوا إلى لحظتهم الراهنة، والتي ما يزالون يسيرون عليها منذ ما يقارب التسع السنوات..!!
ولكن من الطبيعي جداً ألا تظل تلك التساؤلات محيرة بالنسبة لقيادات الحركة الانقلابية، ولكن لا سبيل أبداً من أن تفرض نفسها على المنتسبين والملتحقين بالجماعة ابتداء من الخطوط الدنيا ووصولاً إلى قيادات في الدرجة الثانية أو المستوى الثاني في صفوف الجماعة، خصوصاً وأن كبرها وتناميها وصل حداً يتجاوز السيطرة والإدراك، بتداخله مع تشظي القوى والسلطات داخل الجماعة من جهة، ومع تنامي المصالح والثروات والممتلكات من جهة أخرى..
وهذه التساؤلات التي بدأ معها تدفق لعاب التملك والسيطرة، في غالب الرأي وصلت في اللحظة الراهنة إلى الاحتشاد بقدر كبير في أذهان المنتمين للجماعة قيادات وأفراد، وأصبح ما كانوا يسمونه تسخيراً إلهياً مدعاة للتندر والسخرية، حتى فيما بينهم..!! وبطبيعة الحال حين يتدخل الغيب والسرية والتكتم شبه المطلق على فحوى ما يجري، يتحول الوضع للفوضى، وهو ما يحدث الآن داخل الجماعة، وصد وصل تقريباً إلى دائرة واسعة من فئات المجتمع الذي يحيط بهم..!!
وعلى عكس ما يعتقده العامة الذين يصور لهم أن الجماعة صارت ذات قوة لا تقهر وسلطة مطلقة خصوصا في مناطق نفوذها، فإنها وفي هذه اللحظة الراهنة تحديداً، تعاني من تفكك كبير ناتج عن الغموض الكبير الذي يقف وراء كل المتغيرات المرتبطة بهم سواء على المستوى الداخلي لهم أو على مستوى الخارج، ذلك الغموض الذي يجعلهم دائما في مواجهة مسئوليات ومتغيرات أكبر من حجمهم بكثير جداً..!!
والملاحظ أن تلك المتغيرات جعلت الجماعة تفقد التماسك في صفوفها بشكل مثير وحتى مخيف لقياداتها، وأن أصغر مواجهة فعلية من خصومها قد تطيح بها وترميها إلى سلة نفايات التاريخ، وهذه معاناة كبيرة حداً تعيشها القيادات داخل المجموعة وتتحفظ عليها، حتى لا يكاد يُشعر بها خارج الجماعة، لأن بداية الشعور بها خارج تنظيم الجماعة،
قد تكون هي ذاتها بداية سقوطها وانهيارها.. نعم لا شك ولا جدال أبداً حول أن وضع الجماعة في اللحظة الراهنة هو الأسوأ منذ ظهورها، وأن خط الانحناء الخاص بتواجدها وقوتها قد تجاوز الذروة وبات في مرحلة التدتي، وبتسارع مخيف لقياداتها الذين لم يعودوا قادرين على السيطرة وتحاشي الانزالاق.. وأصبحوا مستعدين لأن ينساقوا لأي طرف خارجي ليكمل بهم اللعبة المحبوكة، دون أدني مقاومة أو اعتراض..!!