تحاول الجماعات الدينية دائماً الإقناع بكونها وكيلة الله في الأرض والجديرة منفردة بتمثيله والتخاطب باسمه وبصفة دينه، بل وبوجوبية حقها المطلق في الحكم تحت رايته وخلافته، وكأن في يدها صكوكا مختومة بختم الرحمن جل وعلا..!! فيما هي في حقيقة معظمها إن لم نقل كلها، جماعات أصولية ووصولية، تهدف في غالب هيئاتها وتحركاتها للوصول للسلطة والجاه والمال، بعيداً جداً عن أية غاية منزهة أو اتجاه قصده خدمة البشرية أو الدين..!!
وكثيرة هي الجماعات الدينية والإسلاموية التي وجدت لها مساحات وفرصاً مناسبة لتحركاتها، لتبرز إما في ظل تدهور سياسي أو وجود حال من الفوضى في الغالب في بنية الدولة أو إدارتها.. وهذا مما يثبت أنها طارئ دخيل استغل ثغرة ما في طبيعة الحياة المعتادة، أدى أو يؤدي إلى ضعف الدولة وعدم قدرتها على المجابهة، أو القيام بدورها التوعوي والإرشادي، الذي يجب في سياق بناء الدولة المفترضة..
ومن تلك وهذه الجماعات تبرز جماعة الحوثي الإرهابية، متميزة عن غيرها هنا أو مضيفة صيغاً أخرى للادعاء بأحقيتها عن سواها في كل شيء بكل شيء، إذ تضيف هذه الجماعة الانقلابية جانباً أساسياً وهو جانب عنصري سلالي تدعي من خلاله كونها جنساً بشرياً مقدساً يتميز عن سواه، وتبرر به استحقاقها، ليس للسلطة والجاه والمال وحسب، وإنما لكل شيء بشكل مطلق في الدنيا والآخرة حتى رضا الله والجنة، حد أن تشعرك بافتقادك بشريتك التي فضلها الله عن سواها من الكائنات، مدعية أن لا أفضلية حتى في الدين إلا لجنسها وعنصرها الذي تحاول فرض قدسيته المطلقة دون مبررات منطقية أو حساب أو إسقاط في النصوص والتشريعات..!!
ومن الصفات المعتادة على مر التاريخ لهذه الجماعات وفي مقدمتها الحوثية، أنها أبعد ما تكون عن شكل الدولة بمعناها الصحيح ولو في أدنى مستوى من ذلك الوصف، ولا يمكن بأي حال من الأحوال أن تكون كذلك، فنهجها أساساً قائم على الانتهازية والأنانية والاستئثار بالوجود لنفسها، وإمكانية تحوير وتغيير المفاهيم في النصوص والتشريعات بحرية مطلقة متى ما امتلكت قوة ووجدت بيئة ضعيفة غير قادرة على استئصالها والقضاء عليها، كما هو الحال اليوم بالنسبة لمليشيا الحوثي الإرهابية في اليمن..
كما أن من صفاتها وعهدها تاريخياً إذا خرجت برأسها وأعلنت عن حضورها، وتمثلت سلطة أو استولت عليها، أن تكون مجرد مليشيا جابية، تقتات وتثرى وتبذخ من مال الناس الذين يقبعون تحت سلطتها، دون أن تقدم مقابلاً يكاد يذكر لذلك، تجبي وتنهب وتسرق وتبطش فقط، لا تبني ولا تخدم ولا تقدم للناس غير خطابها العنصري والاستئثاري الذي يقول للناس: ليس لكم علينا من حق إلا الولاية والحكم، وليس بيدكم أو أمامكم من شيء غير الولاء والطاعة المطلقين..!!
المشكلة أن الزمن يمر والحياة تتطور وتتجاوز كثيراً مثل هذه المفاهيم، إلا أن هذه الجماعات حين تسنح لها الفرصة وتطل إلى الوجود، لا تراعي شيئاً مما صارت إليه الحياة..!! تظل متمسكة بتلك الأفكار العقيمة واللا معقولة، لأنها لا تمتلك شيئاً سواها تواجه به حقيقة الوجود من حولها، وليس لها من منجزات أو محطات تذكر في التاريخ غير ما هي عليه من الصفات التي ذكرناها هنا، ولم يسجل لها التاريخ صفحة بيضاء في خدمة البشرية ولا حتى خدمة الدين الذي تزايد وتناهض وتباهي به..!!