من قبيل الوهم واستنزاف الوقت والجهد مواصلة الحديث عن إمكانية التوصل إلى اتفاق سلام بين اليمنيين وليس ذلك من باب التشاؤم ولكن لغياب القيادات الوطنية البعيدة عن الانتهازية والتي من دونها لا يمكن الركون إلى النوايا الحسنة لتضاؤل قيمتها إذا لم تكن مرتبطة بضمانات ملزمة لتنفيذ ما يتم الاتفاق عليه بين متحاربين لا يقيمون أصلاً شأناً كبيراً للمصلحة الوطنية، ولن يكون ممكناً تحويل أي اتفاق إلى قواعد راسخة للعمل والعيش المشتركين.
ويدرك الفاعلون الإقليميون والدوليون أن معالجة القضايا الإنسانية هي المدخل الطبيعي الذي يؤسس لمعالجة الآثار المدمرة التي ضربت جذور السلم الاجتماعي ومزقت النسيج الوطني وانتجت أحقاداً لا يمكن معالجتها بمجرد التفاؤل والدعاء بالهداية.
وفي الوقت الذي كان العالم ينظر فيه إلى اليمن كبلد يحتاج إلى مساعدة الجميع لانتشال سكانه من قاع الفقر والمرض، تمكنت جماعة "أنصار الله" الحوثية من تشتيت الأنظار ودفعها في اتجاه البحر الأحمر الذي حولته إلى مساحة عسكرية مفتوحة لإرباك الحركة التجارية البحرية تحت شعار (وهي المولعة بالشعارات) مساعدة أهل غزة والضغط لوقف حرب الإبادة التي تمارسها إسرائيل ضد الفلسطينيين، وهي حتى اللحظة لم تحقق أي نجاح في هذا الاتجاه لكنها وضعت نفسها في مواجهة العالم حتى مع الذين يسوقون الأعذار لما تقوم به، وهذه قضية قلت مراراً أنها تتوافق مع نظرتهم السطحية في قدرتهم على أن يصبحوا قوة إقليمية.
وفي ظل هذه الحشود العسكرية التي جلبتها الهجمات التي يقوم بها الحوثيون وأدت إلى عسكرة البحر الأحمر بصورة غير مسبوقة فإن قضية السلام في اليمن صارت ملفاً ثانوياً لعالم لا يكترث إلا بما يخدم مصالحه، وهكذا تستمر المعاناة اليمنية ويبتعد سراب الإعلان الرسمي لنهاية الحرب.