من كانوا يخططون، منذ وقت مبكر تماشى مع عاصفة الربيع العربي، لإسقاط اليمن ويقفون وراء ما صار إليه حالنا اليوم كيمنيين، كانوا يعرفون جيداً أن الجيش الذي اشغتلت وصرفت عليه الدولة بلا حدود بهدف حماية الوطن ومكتسباته كمبدأ أولي يسبق كل المبادئ والأهداف في الأولوية، سيكون حجر عثرة معيقة لمشروع التقويض الذي قادته وتقوده قوى استعمارية طامعة في المنطقة، لذلك فقد كان أول شيء تم تنفيذه هو تفتيت ذلك الجيش وإعادته إلى الصفر، تحت مبررات واهية فيها من الفتنة والتفرقة ما فيها، لتبدأ الدولة التي استمرت متشظية في تأسيس جيش يجانسها في الصفة من حيث التشظي، فتأسست تحت مسمى الجيش قوى متفرقة جغرافيا ومبدأياً، فجزءه الذي في مارب لا يتساوق مع جزئه الذي في المخا، وهذا لا يتفق مع الذي في عدن، وذاك لا يتفق مع الذي في حضرموت وصعدة وشبوة.. على الرغم من الهدف الموحد والمعلن للجميع والمتمثل في مواجهة عصابة الحوثيين واجتثاث الانقلاب..!!
ولكن تبين منذ وقت مبكر أن في تشكيل تلك القوى علات خفية، فهي تقف على حدود ملغمة بالافتتان فيما بينها، ومبطنة بفتيل بإمكان القوى المتحكمة في الأزمة إشعاله في أية لحظة لتفنى تلك القوى فيما بينها..!! بعيداً وبعيداً جداً عن الهدف الرئيسي الذي تشكلت من أجله، وهو مواجهة جماعة الحوثي المسلحة الانقلابية التي ظلت وماتزال بمنأى عن التهديدات، وفي مساحة كافية لتبني نفسها كقوة وتعزز قدراتها من الداخل والخارج، دون أن يمسها أذى أو تهديد فعلي بالمواجهة المباشرة من أقسام الجيش التابع للشرعية هنا وهناك، والقادرة حقيقة لو اجتمعت واعتزمت تحقيق الهدف الذي تشكلت من أجله، على أن تنهي الانقلاب وتقضي على العصابة المتمردة في وقت قياسي قد لا يخطر ببال أحد، نظراً للتهويل والدعاية الكاذبة التي روجت بقصد أو بدون عن قوة العصابة الحوثية..!!
* * *
القوة الأخرى التي تم استهدافها، للتمهيد وربما البدء في ما صارت إليه الأحوال في اليمن، تتمثل في حزب المؤتمر الشعبي العام، والذي كان كثيراً ما تكاد تنتفي عنه صفة الحزبية، لولا التوصيف أو التصنيف الذي صنف فيه، فلم يكد يشعر اليمنيون للحظة بشكل الحزبية وأثرتها في هذا التنظيم الوطني المؤثر من حيث اتساع القاعدة الجماهيرية وتولي شئون الدولة ومسئولياتها لأكثر من ثلاثين عاماً، جعلت منه مظلة عامة لكل اليمن ولكافة اليمنيين، وحملته وحملت قياداته وحتى عموم المنتمين إليه، مسئوليات كبيرة جداً، لم تتوقف عند الحفاظ على شكل الدولة واستمرارية نظامها فقط، وإنما الذهاب إلى ماهو أبعد وأنجع من ذلك، وتحقيق منجزات ومكاسب كبيرة في بنية الدولة ومؤسساتها من جهة، وفي أحلام وطموحات المواطنين من جهة أخرى.. فبالنظر إلى القواعد الشعبية والجماهيرية لهذا الحزب/الدولة، كان من الصعب تجاوزه، أو تنفيذ مشروع التدمير والتقويض لبنية اليمن القائمة بوجوده ووجود قواعده المتسعة التي تعودت على شعارات ومبادئ كلها تضع الوطن في أسبقيات وأولويات الأهداف، بل إن الوطن كان في مبادئ هذا التنظيم عالياً جداً في مساحة أو مكانة المقدس، ولا حوار أو جدال يمكن أن يقوم أو يحدث في هذا الشأن..
فما كان من رعاة التحول التدميري في اليمن إلا أن ذهبوا باتجاه تشتيت هذا الحزب، وتلغيم قواعده بمتفجرات تقسيمية، بدأت بتوزيع قياداته خارج وداخل الوطن، تحت وصايات متعددة، حد أن عصابة الحوثي الانقلابية الإرهابية نفسها، نالت نصيبها من الوصاية على القيادات، وأبقت مرغمة وراضية، على جزء من التنظيم دائراً وقائماً شكلياً تحت وصايتها، واستطاعت من خلال هذا الجزء اختراق القواعد الشعبية والجماهيرية واستقطابها، أو على الأقل التعايش معها بأمان كاف، يتيح لها تنفيذ وإدارة انقلابها بسلامة، وفي مساحات ودعاوى شكلية، منها التحالف والتشارك في بناء الدولة وحماية الوطن، حسب زعم المليشيا المنقلبة..!! إلى جانب ذلك تم تشتيت قيادات الحزب ولملمة ما أمكن لملمته من قوى وقواعد حول تلك القيادات لتشكيل مجمعات أو توليفات تم ويتم حسابها على المؤتمر..!!
إن ما لاقاه ويلاقيه المؤتمر الشعبي من استهداف وتشتيت وبعثرة كيان، من قبل القوى الخفية التي تدير أزمة اليمن، كل ذلك حوله إلى مؤتمرات شعبية مجزأة، ووصولاً أن بعضا منها ما يتخاصم مع بعضه الآخر.. وهذا بطبيعة الحال والفكرة لم يكن له أن يحدث، لولا أن من يقف وراءه قوى خارجية، تعرف كما يقال حقاً من أين تؤكل الكتف..!!
اليوم المؤتمر مشتت هنا وهناك في قواعده وقياداته وحتى في مسارات أدائه وتتفيذ أهدافه التي قام عليها، وإلا لكان المؤتمر سداً حاجزاً وحائلاً دون ما يحدث للوطن من تقويض وتدمير، وللشعب من تشريد وتنكيل وتجويع وفقدان للأمان في كل أوجه الحياة..
إنه اليوم غير قادر أو بالأصح محدود القدرات ومحاصر في نفوذه بقدر كبير وصل إلى أنه غير ممكَّن حتى من الضغط على الحكومة والرئاسة في الشرعية في قضية هامة كإيقاف العقوبة الظالمة والمفروضة على مؤسسه الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح ونجله..!!
ومع ذلك كل من يعرف أحوال اليمن منذ قيام ثورة السادس والعشرين من سبتمبر واجتثاث حكم الإمامة الباغي في ١٩٦٢م، ومنذ تأسيس المؤتمر لاحقاً، يصرون على أن المؤتمر الشعبي العام قد يمرض بعوامل وفواعل خارجية ولكنه لا يموت، ولو لم يكن له من الأسباب والمبررات إلا أنه تنظيم وطني حر وصاف، تشكل داخل الوطن بأهداف ورؤى وطنية بحتة، تشكلت ونتجت من طبيعة الحياة السياسية والاجتماعية اليمنية الصرفة، ولم يستورد لاهو ولا شيء من أفكاره ومبادئه من خارج الحدود، لا جغرافياً ولا فكرياً.. وهذا ما يجعله تنظيماً يمنياً شعبياً وجماهيرياً، بإمكان أية حقبة وأي مستقبل استيعابه، بل والحاجة الماسة إلى وجوده كفاعل أساسي في حياة اليمنيين، الذين صار معظمهم اليوم يحنون ويشتاقون إلى عهده واستقلاليته واعتداله المحمود والمحسوب له والذي لم يحسب مثله لغيره من قبل، ولا يُعتقد أنه سيحسب لأحد دونه من بعد