معركة كسر العظم بين البنك المركزي اليمني في عدن والميليشيات في صنعاء لم تصل ذروتها بعد إذ لاتزال تتأرجح بين ترقب وشد قائم، مع تسريبات استدعاء محافظ البنك المركزي الى الرياض للمشاورة حول القرارت المتخذة مع قرب انتهاء المهلة المحددة حول الغاء العملة القديمة، والدعوة إلى استبدالها.
الشارع اليمني يراقب بحذر وسط انقسام حقيقي في المواقف بهذا الشأن فهناك من يعتبر أن البنك المركزي اليمني الشرعي يزايد بمثل هذه الخطوات تنفيذا لوسائل ضغط منظورة ، مع عدم دراسة واعية للتبعات المؤثرة على المواطن البسيط مستدلا في ذلك بفشل الشرعية في انهاء الانقلاب عسكرياً.
مكمن هذه المخاوف تعود إلى ربط الفشل العسكري على مدى سنوات بفشل جديد من البوابة الاقتصادية في ظل الانهيار المتزايد للدولار في مقابل الريال اليمني (وصل إلى حافة الألفين ريال خلال اليومين الأخيرين) مع توقع بمزيد من التراجع في القيمة الفعلية الرسمية ولدى السوق السوداء أيضاً.
وإذا ما تركنا الحديث عن المعركة العسكرية التي راوحت موقعها منذ فترة طويلة مع تغير الموقف السعودي من الانقلاب الحوثي، فإن الحديث اليوم بات بلغة الأرقام الاقتصادية هو الفيصل في خنق الانقلاب مع ظهور رؤية ترى بضرورة المضي في إجراءات البنك المركزي دون إذعان أو تراجع قد يحقق استفادة للميليشيات الحوثية التي صعدت من خطابها ووعيدها عبر قنواتها المعروفة أو العاملين لصالحها على منصات التواصل الاجتماعي، في لغة تصعيدية فهم من خلالها أن المس بمصالحها المالية باتت تمثل أقصى درجات الاستفزاز والتحدي بالنسبة لسلطة الأمر الواقع في صنعاء.
ومع هذا الوضع المتأزم تبرز حالة المواطن اليمني أشد انكساراً، إذ لاتلقي هذه التهديدات والتحذيرات الاقتصادية المتبادلة بالاً لمخاوفه المشروعة لدى البسطاء من الناس، كما لايبدو أن هناك توافقاً مسئولاً إزاء هذه التحركات الاقتصادية ككل وتحديداً مع إعلان معاقبة البنوك التي رفضت نقل مقراتها وأصول أعمالها إلى العاصمة عدن بإيقاف تصاريح المزاولة، إذ تبرر هذه المخاوف عدم تحقيق البنك المركزي اليمني لفاعليته الاقتصادية بالقدر المأمول منذ أن تم نقله إلى عدن منذ أكثر من ثمانية أعوام.
إن تأييد قرارات البنك المركزي شيء مطلوب ومفهوم لدى غالبية المواطنين الذين أنهكتهم إجراءات المصادرة اللامسئولة للميليشيات للمال العام، مع تجريفها المتعمد لأي قيمة مالية وهي مسالة مقرونة بمواصلة العبث بمصير العملة ومستقبلها من خلال استبقاء سعر الصرف للعملات الاجنبية لقيمة متخيلة أدنى لا تتفق وقيمتها الواقعية بفعل التحولات والتضخم، الأمر الذي أنجب حالة مصرفية مشوهة ممثلة ببنكين مركزيين في عدن وصنعاء، وأسعار صرف بقيمتين مختلفتين على أرض اليمن وهو ماكبد المواطنين خسائر جسيمة في الممتلكات المالية بين منطقة يمنية وأخرى.
وفي المعركة الوطنية ضد الإنقلاب تراجع الحماس واختفت أصوات تحليلية عديدة باتت ترى أن القرار الخالص ليس بيد اليمنيين في عدن أو مأرب، منذ اتفاق استكهولم الشهير الذي أدخل المقاومة في غيبوبة مبكرة، وهي صورة من شأنها أن تنعكس الآن على هذه القرارت الاقتصادية في خطوة جديدة تستهدف مواجهة الانقلاب بلا دماء أو أشلاء أو قذائف، يحيط بها مخاوف الفشل أيضاً بعد أن خلت هذه التوجهات من تقديم رؤية اقتصادية توضيحية تعزز من دور البنك المركزي اليمني في عدن وتكشف للمواطنين اليمنيين ما سيترتب على هذه الخطوات من حماية حقيقية لتداولاتهم المالية وما تبقى لديهم من تطلعات في مزاولة أعمالهم بشكل طبيعي بلا ابتزاز أو مصادرة.
إن الأمر الطبيعي أن تحاط هذه الخطوة من البنك المركزي اليمني بكل هذا القلق والتشكيك ذلك أن القرار ارتبط بتوجهات مشتركة مع أطراف خارجية صارت هي الآمر الناهي في المنعطفات والقرارت الوطنية المصيرية الحاسمة، باعتبار أن انهيار العملة شمالاً وجنوباً مرتبطة في المقام الأول ليس بكسر عظم الميليشيا فحسب بل بمصير لقمة الخبز لغالبية الأسر اليمنية، تلك الأسر التي تحلم بتأمينه بعيداً عن حسابات سعر الصرف الملغوم وصفقات ملاك دكاكين العملة الذين تاجروا بكل شيء في حياة اليمنيين بما في ذلك كسرة الخبز الجافة نفسها