من الأشياء التي تستدعي السخرية أن تجد جماعة أو حتى سلطة قادرة على تنفيذ صناعات عسكرية غاية في الحداثة والدقة وخاضعة لتقنيات غاية في التطور والقوة، كما يحدث داخل عقول ومصانع وقدرات دول عظمى، واستخدام تلك التقنيات المعقدة لتهديد الأمن والاستقرار في منطقة لها أهميتها الاستراتيجية، وتخضع في حقيقتها لسيطرة دول عظمى.. وفي نفس الوقت تلك السلطة المدعاة غير قادرة، طوال أكثر من خمسة أيام، على السيطرة على حريق متوسط في ميناء وإطفائه..!!
ومن هذا المنطلق فقد أصبح من الأهداف الحتمية للسخرية أيضاً، تصديق المشهد العان أو السيناريو الظاهر الذي يصاغ للعامة حول ماهية جماعة الحوثي الانقلابية، وألا ينكشف أن هناك تهويلاً متعمداً تعمل عليه الدول النافذة في المنطقة وفي مقدمتها وعلى رأسها أمريكا وبريطانيا، حول قوة الحوثيين، وأن هناك تضخيماً مقصوداً لحجم الجماعة المتمردة، وإن بطرق غير مباشرة، بهدف رئيسي هو استخدام هذه الجماعة الإرهابية المسلحة، في تنفيذ عمليات تشكل تهديداً خطيراً لأمن المنطقة، وتستدعي حضورهما غير المرغوب فيه من معظم شعوب وأنظمة المنطقة..
ولا تكاد تغيب اليوم حقيقة إن جماعة الحوثي ليست سوى يد من الأيادي التخريبية التس تستخدمها عادة أمريكا وبريطانيا ومعهما إسرائيل في المنطقة.. شأنها شأن داعش والقاعدة وغيرهما من الجماعات والتنظيمات التي استخدمت وما تزال تستخدم في إذكاء نار الفوضى والإرهاب، وقلقة الأمن في المنطقة وصولا إلى إسقاط أنظمة ودول واستبدالها بالحكم العرفي والانقلابي من قبل تلك الجماعات كما حصل ويحصل في لبنان وسوريا والعراق، وفي اليمن الذي كان من نصيبه هذه الجماعة الإرهابية المارقة..!!
لقد استغلت أمريكا وبريطانيا كل قدراتهما لصناعة وحماية جماعة الحوثيين، ومساعدتها على إحداث الانقلاب ومحاولة التخلص من السلطة، باعتبار أن وجود السلطة يحتم الاحتكام للنظام والقانون، وهذان لا يمكن لجماعة مسلحة متمردة التعامل معهما أو الصمود بوجهها.. لقد نظف حلفاء الشر الطرقات وسويا العقوبات ووصلا بهذا الجماعة لما وصلت إليه.. ولم يكتفيا بذلك وحسب، بل هاهما يتجاوزان بها اليمن، ليقدماها لشعوب وأنظمة المنطقة، كتهديد قومي خطير لأمن ومصالح بلدان تلك الشعوب المستهدفة وأنظمتها..!!
عموما يجب ألا يفوتنا أننا أمام نموذج أرهابي آخر ليس جديداً، وإنما هو في حقيقته صورة طبق الأصل من نماذج إرهابية سالفة، استغلتها وتستغلها دول الاستعمار الجديد، في جعل المنطقة تحت وصايتها وسيطرتها المطلقة، وهو ما تفعله أيضا عبر الوجود الإيراني ووضعه في مكان التهديد الاستراتيجي في المنطقة، مشفوعا بمبررات ومسوغات عسكرية وسياسية لم تعد من أدوات العصر الجديد، وثارات تاريخية وفكرية لم يعد التعامل معها صالحاً للاستخدام..!!
وهذا حقاً لا يعفينا من مسئولية الإدراك الفعلي على أقل تقدير بشخصية وماهية عدو الشعوب العربية الفعلي، وكيفيات وأدوات تحقيقه أهدافه العدائية لكل شعوب وأنظمة المنطقة العربية والشرق الأوسط عموما.