يمضي المرء العمر في متابعة أحداث الآخرين. من زمن الراديو إلى زمن المباشر. وأحياناً يرافق تلك الأحداث من مواقعها. يسمع صراخ الناس، ويشاهد هروبهم، ويرى أعمارهم تتدحرج أمامهم على الطرقات. يحزن معهم. وفي داخله يبكي مع أطفالهم. وفي داخله أيضاً يندِّد بظالميهم، وبأسى، لتفاهة الكون.
ومع السنين يتحول بكل ما كتب إلى أدب الأخبار، أو أدب الرسائل، أو سيرة المراسيل. ويعود كل واحد من حيث أتى. وتتتالى البلدان والأحداث والأزمنة، وتتحول التجارب إلى حكايات، وذكريات، وموشحات، وهات اسمعنا رنة العيدان، ويسمع ندامى الحان.
فما أنت إلا غريب وعابر. تعود إلى ديارك ويعود الحدث إلى دياره. ويبحث الحدث عن مكان آخر. وعنوان آخر. وأنت تريد عنواناً، لا رتابة فيه ولا تكرار. وفي غضون ذلك تُمضي الوقت في شيء مُسَلٍ شبيه بالكلمات المتقاطعة.
ما أجمل الدنيا ما دامت بعيدة عنك. اختلف الأمر تماماً الآن. انتقل الحدث من ديار الآخرين إلى ديارك. من أرضهم إلى أرضك. والقتلى ليسوا في جنوب فيتنام، بل في جنوبك.
ومرّ عام على الحرب ليس في جوارك، بل في دارك. وعندما يتساءلون هل تتطور إلى إقليمية أو أكبر، فهم يقصدون المطار الذي تسافر منه وتعود إليه، والميناء الذي قد يغلق هو أيضاً. منذ عام أصبح الخبر بلدك، والمهجرون أصدقاءك، والمهاجرون سائر شعبك. وعندما يتحدثون عن الحرب والهدنة ومساندة غزة، فهذا أنت. وعندما يصار إلى توأمة رفح مع حدود لبنان، فاعلم أن وحدة الساحات قد تمت. ينقصها، كالعادة، «وحدة الأفئدة»!