اليوم أصبح هناك إصرار شبه جمعي، على أن جماعة أو عصابة الحوثي الانقلابية، أضعف وأوهى مما تبدو عليه، وأصغر وأتفه بكثير مما أريد لليمنيين معرفته عنها وعن حقيقة وجودها، أو بالأصح عن حقائق المشهد الذي حُبِك وسُبِك بإتقان غير متقن، لتظهر فيه هذه الجماعة المستجلبة من غبار التاريخ، كرقم يجب، مع معطيات الواقع المدروس، أن يحسب له حساب في المجريات، بل إيجاد وفرض مجريات في الساحة اليمنية، ووضع هذا الرقم طرفاً فيها أو سبباً في حدوثها، دون اعتبار من أي نوع يراعي حاجات وأوضاع المواطنين وحقوقهم الحياتية والسياسية والاجتماعية..!! بل أن هناك للأسف محاولات للإقناع بأن ما يتسبب فيه وجود وتمرد هذه المليشيا وغيرها من العصابات والمليشيات (المفعلة) في المنطقة العربية، مجرد نتائج عارضة أو خسائر وأضرار جانبية..!!
منذ الإعلان الفعلي عن وجود هذه العصابة، التي تقيأها التاريخ للسطح فجأة، تظهر العلامات والدلالات التي تثبت أنها لا تمثل نفسها، وفي هذا دلالة كبرى على أنها أيضاً لم تصنع نفسها، وإنما تمت صناعتها على أيدي خبيرة بامتياز في صناعة الجماعات والمليشيات، واستخدامها في تنفيذ استراتيجيات ومخططات تضعها أطراف وقوى دولية كبرى، ضمن مشروع عام، هدفه وضع المنطقة العربية على صفيح ساخن.. وإثارة دوامات من الغبار، تتمركز في أنحاء ونقاط مختلفة من المنطقة، لتصنع سحباً وغيوماً اصطناعية تحجب الرؤية واليقين عن مشروع السيطرة المطلقة على المنطقة وأنظمتها ومقدراتها بطرق مباشرة وأحيانا غير مباشرة.. ومن كل هذا يتبين لنا أن هناك صناعة فعلية للإرهاب تحت غطاء أو ادعاء زائف بمحاربة الإرهاب..!!
والذي يتأمل ما يحدث في دول عربية أخرى كالعراق ولبنان وسوريا والسودان من أحداث ومتغيرات، سيجد أن من تقف وراءه هي جماعات ومليشيات وتنظيمات مسلحة ومتمردة مشابهة لهذه العصابة، لا تختلف في طريقة وجودها ومشاريعها وأهدافها، إلا فيما هو هامشي وسطحي من التفاصيل، بينما الجوهر في تواجد كل هذه التشكلات والكيانات، يعود لسيطرة تلك القوى أو الدول الكبرى، التي لا تستطيع أن تعلن صراحة عن حقيقة وماهية وجودها وتواجدها في المنطقة، فتضطر لأن تتخفى وراء هذه التنظيمات، تصنعها، تسلحها، تسندها وتقوي حضورها بأطياف مختلفة من الطرق والوسائل، لتستخدمها في تكريس وتنفيذ مشاريع الغرب المتنمر..!!
ومن حين لآخر لا تنسى القوى المهيمنة، أو مايمكن وصفه بغرفة عملياتها الخاصة، أن تضع في ميزان تحكمها بالعلاقات والمواجهات التي تصطنعها مليشياتها، فكرة المكابح، التي تكيف لها التعامل مع احتمالية أو فرضية تحول أو تحويل تلك الكيانات الإرهابية المخربة ، خلال وبعد استخدامها، إلى خصم مؤذٍ ومطارَد من قبلها بالفعل، وليس مجرد ادعاء في خطاب عام يتصف بكونه فضفاضاً ومراوغاً، وقابلاً حتى للتحول والتعارض في عشية وضحاها، دون الحاجة الملحة للتبرير والمدافعة أمام العالم.. وفي عملية التوازن هذه، تجد المنظمات والتنظيمات المذكورة نفسها بين فترة وأخرى أمام اختبارات صعبة، توهنها، حد أن تصل بها إلى قاع الحضيض، ثم فجأة تجد نفسها تستعيد قواها وحضورها دون مبررات مقنعة، تتجاوز الغرفة التحكم المركزية التي تديرها..
والتأمل المنصف والدقيق في جغرافيا الفوضى العارمة والدائرة اليوم، يتأكد من إننا في المنطقة العربية أمام واحدة من أقذر الألعاب القذرة التي مارستها وتمارسها القوى العظمى في كل بقاع الأرض، وعلى امتداد التاريخ.. يتم استنفادنا واستهلاكنا وتهديد وجودنا، بطرق أقل ما يمكن وصفها، بأنها قذرة ولا إنسانية، وتتجاوز ما شهده التاريخ بامتداده من مذابح وحروب وعنصريات مقيتة.. والمؤسف والمحرج للغاية أن ذلك يتم تحت أبصارنا وبقبول منا، وأحياناً بمباركة ودعم غير محدودين من قبل أنظمتنا المُستغَلَّة ونخبنا المخدوعة..!!