في العام 2012م، وفي عهد بقايا الدولة التي أورثها نظام الرئيس الشهيد علي عبدالله صالح رحمه الله، ثم تم التفريط بها عمداً وعنوةً، أتذكر أنني وعدداً من زملاء المهنة والوظيفة أجرينا في ذلك الحين نقاشاً حول (الشائعة) وأثرها سلباً وإيجاباً، وكيف أصبح المجتمع اليمني من أكثر وأسرع المجتمعات تأثراً بالشائعات، خصوصاً مع اضطراب الأوضاع السياسية والاجتماعية والاقتصادية حينها، نتيجة لأحداث 2011م وما سمي ظلماً وكيداً بالربيع العربي.. وكان من بين الزملاء والأصدقاء من اقترح أن نجري تجربة عملية وواقعية، وتطوع بالمبادرة ناشراً خبراً بشحة إحدى السلع الغذائية واقتراب انعدامها من الأسواق.. وبالفعل كان رد الفعل غير معقول، ولم يمض غير يومين فقط حتى أصبحت تلك السلعة في حكم العدم أو الندرة على الأقل..!! والمثير في الأمر والتصادف أن يقوم رؤساؤنا في العمل بتكليف ذلك الزميل نفسه لإجراء تغطية للشائعة، التي أصبحت خبراً عاماً، ومتابعتها في الجهات
الرسمية المعنية..!!
ذلك ما دفعنا تالياً، في نفس المجموعة من الزملاء، إلى إجراء نقاش مستفيض حول صناعة الشائعة وتحديداً فكرة أن تصنع الشائعة أو الكذبة وتضطر أنت شخصياً لتصديقها والتعامل معها على أنها جزء فعلي لا يتجزأ من الواقع الذي تعيشه، أي (أن تكذب الكذبة وتصدقها) طواعية وأحياناً الاضطرار لذلك مكرها..!! والأكثر إثارة فيما قمنا به يومها أن الكذبة التي كذبناها أو الشائعة التي أشعناها، لم تعد إلينا مثلما انطلقت من دائرتنا، وإنما عادت محسنة ومبهرةً أو كما يقال (محوجةً ومسبوكة)، فهناك من أسندها لجهات مختصة، ومن شرح لها أسباباً تعود لجهة تصديرها إلى البلاد، وهناك من أضاف إلى السلعة سلعاً أخرى..!! وقد ساعد على انتشار الشائعة/الكذبة وتحولها من عالم الاختلاق إلى دوائر الواقع والتناول والاهتمام حينها، اقتراب موعد شهر رمضان المبارك..!!
ذكرني بهذه القصة قبل أيام أحد الزملاء وهو يصف لي واقع وحال الحوثيين بعد انقلابهم على السلطة، وتمكنهم من الاستيلاء على مؤسسات الدولة، وتحولهم إلى قوة مسلحة، تقتل وتعتقل وتكمم الأفواه وتشرد المواطنين من ديارهم ومن وطنهم عموماً..!! وفيما تفعل هذه الجماعة الانقلابية كل ذلك وأكثر لا تخجل من أنها أشاعت وتشيع أنها تستجيب لأوامر الله وتنفذها وتحافظ على الدين من الفساد والإفساد، ولا تزال تعمل على ذلك وأكثر، وبالتدريج تصل اليوم إلى محاولة الإقناع بأنها الجماعة المخلصة التي ستجتث اسرائيل وأمريكا من المنطقة العربية وأنها موعودة باحتلال البيت الأبيض وتولي الحكم على العالم أجمع..!!
والمدقق الحصيف والمراجع الحريص سيجد أن كل ما تفعله هذه الجماعة المارقة، ليس أكثر ولا أبعد من أنها تعمل مرحلياً على تخليص نفسها من أي استحقاقات موجبة عليها تجاه جزء الشعب المغبون، الذي يقع جغرافياً وإدارياً تحت سلطتها، والذي تمتهنه وتضيق عليه سبل حياته، واعدة وممنيةً إياه بمستقبل خرافي يتجاوز متخيله المتواضع، وأن كل ذلك يأتي تطبيقاً لواقع الإرادة الإلهية، المتضمنة نصر وتأييد العرب والمسلمين على أعدائهم الكفار على أيديهم وإن كانت ملوثة..!! ثم لا يخجلون من ربط هذه الخرافة العصرية بخرافات تاريخية هزيلة لا تمت لهم بصلة لا من قريب ولا من بعيد..!! ولا يخجلون أيضاً من ممارساتهم وأنشطتهم المشبوهة التي صارت مكشوفة للخاصة والعامة، كالاتجار بالمخدرات على سبيل المثال، بل ووصل بهم الأمر أحياناً إلى تشريع وتجويز الاتجار بالمخدرات ما دام يتم دعماً لإرادة الله المتمثلة أساساً في منحهم السلطة المطلقة التي يزعمون استحقاقها، ودعماً لحربهم ضد أعداء الله..!!
نعم بهذه الطرق المخادعة الخرقاء، لا يكتفون باستغلال الآخرين من حولهم، وإنما يطمعون ويزيدون قبل ذلك في الاحتيال والكذب على أتباعهم وعلى أنفسهم أيضاً حين يستطيعون.!! يفعلون ذلك وهم أكثر الناس معرفة بأنهم يكذبون أكثر مما يتنفسون، وأنهم يدعون ما ليس فيهم من الخلق والدين والكرامة ادعاء باطلاً وزائفاً، ثم لا يخشون من أنهم، بتلك الادعاءات والكذبات، التي بات كثير منهم يصدقها وهو من صناعها، إنما يستميتون في تغطية ومواراة ما يفعلونه ويمارسونه بحق اليمنيين، من أعمال إجرامية قذرة، متغاضين عن أنه لا يمكن أن تمر كذباتهم وأفعالهم الإجرامية دون جزاء وعقاب، وأن كل جهودهم في محاولة دفع الآخرين، وقبل ذلك أنفسهم، إلى تصديق أكاذيبهم وخرافاتهم وباطلهم المؤذي الذي أصاب عامة الشعب، إن نجحوا، ما هو إلا مجرد تأجيل لعذاب أليم سينالهم وسيركلهم من مؤخراتهم، التي زادت حجماً واتساعاً، إلى مزبلة لا رجوع منها خارج التاريخ.. التاريخ الذي يحاولون ما يستطيعون اليوم تزييفه وإعادة كتابته بحبر من جشع وزيف وإرهاب..!!