العشرون من نوفمبر من كل عام.. أحد أهم الأيام الدولية التي يحتفل فيها العالم سنويا بأطفالهم، وتسخَّر الامكانيات في كل بلد لترسيخ الوعي بحق الصغار في حياة مزدهرة خالية من المنغصات.. إذ لم يعد الحديث مقتصرا على التوعية بحقوق الاطفال المتعارفة او حمايتهم من المخاطر بعد ان اصبح كل ذلك من البديهيات التي تجاوزها كل بلد .. بل بات العالم يتحدث اليوم عن تحسين رفاههم ورغد عيشهم..
هو بالنسبة للعالم يومٌ لتذكير المجتمعات بمنح اطفالهم اكبر قدر من السعادة والرفاه.. اما في بلد كاليمن لا يبدو- وفق مواطنيه- سوى يوم حزين يذكرهم بمعاناة صغارهم وشقاء فلذاتهم.. إذ يمر هذا اليوم العالمي على اطفال اليمن وهم في أسوأ حال وأنكد معيشة للعام العاشر تواليا، يكابدون واقعا مريرا فرضته حرب حوثية مدمرة أهدرت كل حقوقهم وقتلت احلامهم وأضاعت مستقبلهم.. حيث الطفولة التي كُتب عليها ان تكد وتشقى مبكرا وتكبر قبل اوانها.. اخرجها الفقر والعوز من مقاعد التربية والتعليم ليقذف بها الى ميدان العمل الشاق رغم المخاطر، بحثا عن ماتيسر من زاد ولقمة عيش يعينون بها أسرة كادحة شح دخلها، وعائلا بائسا فقد عمله وحرمته العصابة الحوثية من مرتبه الشهري؛ وعزّت عليه البدائل.
وضع كارثي كهذا تسبب في تصاعد معدلات تسرب الصغار من المدارس، وارتفاعها الى ارقام قياسية، وتزايد مؤشرات القلق على مستقبل التعليم في اليمن، وخاصة في مناطق السطوة الحوثية، حيث الكثافة السكانية وغياب الدولة المسئولة عن التعليم والعمل والتنمية المتوازنة، لكن الوجع يتضاعف اكثر حين تتكشف الحقائق عن مليشيا انتهازية تتعمد تكريس الفقر والعوز، كي تستغل حاجة الأسر الفقيرة لتجنيد صغارها واجبارهم على حمل السلاح وسوقهم الى القتال في محارق الموت؛ دفاعا عن مشروعها العنصري المدمر، مقابل اجر شهري مُذل، وسلة غذائية بائسة تسد رمق عائلاتهم، غير آبهة بالشرائع السماوية والمواثيق الانسانية.
وثمة جانبٌ مظلم لوضع الطفولة في اليمن.. اذ تكشف اعداد النازحين من مناطق الحرب عن ارقام صادمة.. فمئات الآلاف من الأسر اجبرتها العصابة الحوثية على ترك منازلها وتحويشة عمرها.. وكالمستجير من الرمضاء بالنار فرت من بطش المليشيا الارهابية الى عراء موحش وخيام بائسة تفتقر لأبسط متطلبات اللجوء واحتياجات الحياة، ويعيش اطفالها تحت ظروف قاسية بعيدا عن المدارس والمشافي والدواء والتغذية الآمنة، وعرضة ايضا لألغام حوثية عشوائية تتصيد ارواحهم..
وصولا إلى جانب أكثر سوداوية تكشف عنه أعداد قتلى الحرب اليمنية، حيث تقارب مئتي الف يمني من كلا الطرفين حسب احصائيات دولية، مايعني ان نسبة هائلة من اطفال اليمن اصبحوا يتامى بلا عائل يرعى شئونهم ويحميهم من غوائل الزمان، ويعيشون في بيئة متخلفة لا تولي ادنى اهتمام للتوسع في انشاء مراكز رعاية الايتام وتأهيل الاحداث.. ما يجعل يتامى اليمن الجدد بين نارين، إما طريق الانحراف الحتمي؛ او التعرض لمخاطر تتهدد حاضرهم ومستقبلهم، إلا من رحم ربُك!