كشف قانون "الآلية الاستثنائية المؤقّتة لدعم فاتورة مرتّبات موظّفي الدولة وحل مشكلة صغار المودعين" الذي أقرّه "مجلس النوّاب" (البرلمان) بصنعاء في الـ3 من ديسمبر، عن مخالفات دستورية وقانونية جسيمة ترتكبها الميليشيا الحوثية الموالية لإيران بحق موظّفي القطاعين العام والمختلط منذ اندلاع الحرب أواخر مارس عام 2015.
وأظهر القانون المقدّم من القيادي الحوثي مهدي المشّاط، تمييزاً وتفرقة وانعداماً للمساواة والعدالة في الحقوق والمعاملة بين موظّفي الدولة وإخلالاً بمبادئ وأسس نظام الأجور في قوانين ولوائح الخدمة المدنية، الذي يقتضي وضع وتطبيق طرق موحّدة وعادلة ومحفّزة لتحديد راتب الموظّف.
وتضمّن القانون الجديد تقسيم الموظّفين المستحقّين للمرتّبات في وحدات الخدمة العامة إلى ثلاث فئات الأولى يصرف لها راتب كامل (100%) شهرياً ومنها مجلسا النوّاب والشورى وأجهزة السلطة القضائية، والثانية يصرف لها نصف راتب (50%) شهرياً تحت مبرّر أن وحداتها العامة "ليس لديها موارد ذاتية كافية لتغطية فاتورة مرتّباتها"، والفئة الثالثة يصرف لها نصف راتب ربعياً (كل ثلاثة أشهر) تحت مبرّر أن وحداتها العامة "تستلم مرتّباتها من حساب الحكومة العام".
ويحرم الحوثيون الذين يسيطرون على العاصمة صنعاء ومحافظات عدّة منذ سبتمبر عام 2014 موظّفي الدولة من مرتّباتهم منذ عام 2016، ما عدا نصف راتب أساسي كل عدّة أشهر، على الرغم من تحصيلهم مليارات الريالات من عائدات المشتقّات النفطية والغاز المنزلي والضرائب والجمارك والأوقاف والسجائر والإسمنت والاستثمار ورسوم الخدمات، والتي تذهب إلى تمويل ما يسمّى "المجهود الحربي" وإثراء قادتهم ومشرفيهم وأسرهم.
ولم يتلقّ مئات الآلاف من الموظّفين بينهم أكثر من 171 ألف معلّم ومعلّمة في مناطق سيطرة الحوثيين (أي64% من إجمالي عدد المعلّمين في اليمن) رواتبهم بانتظام منذ عام 2016.
أما في قطاع الصحة، فتشير تقارير برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى أن 26 إلى 30 ألف عامل صحي لا يتلقّون رواتبهم بانتظام.
ويعتبر أحد أسوأ أنماط الانتهاكات وأكثرها تأثيراً على المجتمع اليمني هو انقطاع رواتب الموظّفين الحكوميين، الذي استمر حتى اليوم، الأمر الذي أثّر على الجميع بشكل مباشر بهذه الحرب، وبات كل بيت في اليمن يعاني تبعات انقطاع الرواتب.
وتواصل ميليشيا الحوثي ما بات يعرف بـ "حوثنة" الوظيفة العامة عبر إقصاء آلاف الموظّفين في الوزارات والمؤسّسات والهيئات الحكومية بذريعة الانقطاع عن العمل أو الإحالة للتقاعد، وإحلال الآلاف غيرهم من أتباعها وعلى أسس ومعايير طائفية ومذهبية.
وكشفت وثائق مسرّبة استمرار الحوثيين منذ انقلابهم على السلطة الشرعية في الهيمنة على الجهاز الإداري للدولة مثلما فعلوا في القطاعين العسكري والأمني، والعبث بقوامه وتغييره عبر فصل الآلاف وتعيين بدلاً منهم ممّن لا تنطبق عليهم شروط شغل الوظيفة العامة ما تسبّب في تضخّم الجهاز الإداري واستنزاف الموارد العامة للدولة.
وكان القطاع العام أكبر مصدر للوظائف قبل الحرب، حيث تشير إحصاءات منظّمة العمل الدولية إلى أن أكثر من 30% من القوى العاملة اليمنية كانت تعمل في القطاع العام قبل الحرب.
وتؤكد الأرقام الرسمية للدولة أن كشوف المرتّبات العامة تحتوي على حوالي 1.25 مليون شخص، وكانت هذه المرتّبات تدعم ما يصل إلى 6 ملايين يمني أي أكثر من خمس سكّان اليمن قبل الحرب، وكان ما يقرب من ثلث هؤلاء العمّال، أي حوالي 477653 موظّف، موظّفين مدنيين في الدوائر الإدارية، وعدد مماثل، أي 459991، موظّفين في وزارة الدفاع، و182361 آخرين في وزارة الداخلية، و10400 في الأمن السياسي، و122678 في وظائف أخرى.
ويوضّح البنك الدولي في "المذكّرة الاقتصادية القطرية لليمن" أنه لا يمكن تقدير العدد الإجمالي لموظّفي الخدمة المدنية في اليمن بشكل موثوق، ففي العام 2018 تلقّى ما يقرب من 250 ألف موظّف مدني في المناطق التي تسيطر عليها الحكومة المعترف بها دولياً رواتبهم، في حين لم يتلقّ سوى حوالي 225 ألف موظّف مدني في المناطق الخاضعة لسيطرة الحوثيين رواتبهم بانتظام في نفس الفترة.