يستقبل اليمنيون شهر رمضان المبارك هذا العام وسط أزمة معيشية خانقة، حيث تسببت الحرب المستمرة والانهيار الاقتصادي وارتفاع الأسعار الجنوني في تقويض فرحة استقبال الشهر الفضيل، لا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة جماعة الحوثي، حيث تتضاعف المعاناة مع استمرار انقطاع الرواتب واحتكار المساعدات الإنسانية.
ولطالما حظي رمضان بمكانة خاصة لدى اليمنيين الذين يحرصون على استقباله بأجواء روحانية واستعدادات مكثفة تشمل توفير المستلزمات الرمضانية الأساسية. إلا أن الأوضاع الاقتصادية المتردية ألقت بظلالها الثقيلة هذا العام، حيث شهدت أسعار المواد الغذائية ارتفاعًا غير مسبوق، مما أجبر الأسر على تقليص مشترياتها إلى الحد الأدنى.
وباتت مائدة الإفطار التي كانت تزخر بالأصناف التقليدية مثل الشفوت، والعصائر، والتمر، والسنبوسة، والباجِيَة، تقتصر على الضروريات فقط. كما أضحى شراء الاحتياجات الرمضانية كابوسًا يؤرق العديد من الأسر، إذ لم تعد القدرة الشرائية لكثير من المواطنين تكفي حتى لتوفير نصف كيس دقيق بدلاً من كيس كامل.
وبحسب خبراء اقتصاديين، فإن الانهيار الاقتصادي المتسارع أدى إلى تراجع القوة الشرائية للمواطنين بشكل غير مسبوق، حيث باتت المصانع تخفض أحجام منتجاتها لتتناسب مع القدرات الشرائية المتدهورة. وأكدت مصادر محلية أن التجار يعانون بدورهم من انكماش المبيعات بسبب ضعف الإقبال، ما انعكس على توفر السلع الأساسية في الأسواق.
وفي مناطق سيطرة الحوثيين، تزداد الأزمة تعقيدًا، حيث يواجه موظفو الدولة مأساة مضاعفة بعد أن دخلوا العام العاشر دون مرتبات منتظمة. فبعد سنوات من انقطاع الرواتب، لا يجد هؤلاء سوى نصف راتب هزيل يصرف مرة كل أربعة أشهر، ولا يكاد يغطي حتى الحد الأدنى من الاحتياجات المعيشية.
كما تفاقمت الأوضاع مع استمرار ميليشيا الحوثي في احتكار المساعدات الإنسانية، حيث تفرض رقابة صارمة على عمليات توزيع الإغاثة، ما أدى إلى تراجع المعونات الدولية والمحلية. وأكدت مصادر إنسانية أن الميليشيا تواصل نهب المساعدات وتحويلها لمقاتليها، في حين يواجه الملايين خطر الجوع دون أي دعم.
ورغم وعود الجماعة الحوثية الأخيرة بصرف نصف الراتب شهريًا، إلا أن العديد من المراقبين يشككون في مدى التزامها بذلك، مشيرين إلى سجلها الطويل في التنصل من التزاماتها المالية تجاه الموظفين والمواطنين.
لم يقتصر الضرر على الوضع الاقتصادي فقط، بل انعكس أيضًا على العمل الخيري الذي كان يشكل متنفسًا للفقراء خلال الشهر الكريم. فقد تسببت ممارسات الحوثيين، ومنعهم التجار من توزيع الصدقات إلا عبر هيئة الزكاة التابعة لهم، في تراجع حجم المساعدات الرمضانية. كما أدت عمليات التقطع التي تمارسها الجماعة ضد شاحنات الإغاثة إلى عزوف العديد من التجار عن تقديم المساعدات، لعدم وصولها إلى مستحقيها.
ومع استمرار الأزمة، يواجه اليمنيون رمضان هذا العام بمعاناة تفوق ما شهدوه في الأعوام السابقة، حيث أضحى تأمين لقمة العيش أولوية قصوى، بينما تحولت فرحة استقبال الشهر الفضيل إلى عبء ثقيل على معظم الأسر. ورغم كل الصعوبات، لا يزال اليمنيون متمسكين بعاداتهم الرمضانية، ولو بحدها الأدنى، في محاولة للحفاظ على روحانية الشهر الكريم وسط دوامة الأزمات التي لا تنتهي.