في مثل هذا اليوم، الثالث من يونيو، يستعيد اليمنيون مشهدًا من أكثر الأحداث مأساوية في تاريخهم الحديث، حين هزّ تفجير عنيف مسجد دار الرئاسة في العاصمة صنعاء عام 2011، مستهدفًا رئيس الجمهورية الزعيم علي عبدالله صالح وكبار مسؤولي الدولة أثناء أدائهم لصلاة الجمعة، في جريمة وُصفت حينها بـ"جريمة العصر"، لما حملته من أبعاد سياسية وأمنية تهدد كيان الدولة ومؤسساتها.
أسفر التفجير الإرهابي عن سقوط عدد كبير من الشهداء والجرحى في صفوف القيادات العسكرية والمدنية، وكان يمكن أن يقود إلى فراغ دستوري شامل وفوضى عارمة، لولا التماسك المؤسسي وقرار صالح آنذاك نقل السلطة سلمياً، لتجنيب البلاد خطر الانزلاق إلى سيناريوهات أكثر دموية.
ورغم مرور 14 عاماً على تلك الجريمة، ما تزال تداعياتها ماثلة، لا سيما في ظل استمرار الصراع المسلح، والانقسام السياسي، وانهيار مؤسسات الدولة، إضافة إلى الأزمة الإنسانية الأسوأ في العالم، والتي طالت كل مناحي الحياة في البلاد.
ويرى مراقبون أن التفجير لم يكن مجرد عمل إرهابي معزول، بل جزء من مخطط أوسع لتقويض النظام الجمهوري، وإغراق البلاد في صراعات مذهبية وطائفية، أتاحت لاحقاً صعود مليشيات مسلحة، وتحوّل اليمن إلى ساحة لتصفية الحسابات الإقليمية والدولية.
وعلى الرغم من تعقيدات المشهد، لا يزال اليمنيون يعلّقون آمالهم على تحقيق العدالة، ومحاسبة من تورّطوا في تلك الجريمة وغيرها من الانتهاكات، في ظل قناعة راسخة بأن الجرائم لا تسقط بالتقادم، وأن محاولات طمس الحقيقة لن تصمد أمام ذاكرة شعبٍ لا ينسى.
ويطالب سياسيون وحقوقيون بإعادة فتح ملف التحقيق في تفجير دار الرئاسة، باعتباره جريمة إرهابية كبرى استهدفت أمن الدولة واستقرارها، داعين إلى تحرك قانوني دولي في حال تعذّر تحقيق العدالة داخلياً.
ويؤكد كثيرون أن استعادة الدولة وإنهاء حالة التشظي تبدأ من مساءلة المتورطين في تقويضها، لأن بقاء الجناة دون حساب لا يفتح سوى أبواب جديدة للعنف والفوضى.
ومع استمرار الحرب وتفاقم المعاناة، يبقى الثالث من يونيو علامة فارقة في الوعي الوطني، ومناسبة لتجديد العهد بأن لا عدالة دون محاسبة، ولا سلام دون كشف الحقيقة. فاليمن، برغم الجراح، لا يزال يمتلك من الوعي والصلابة ما يمكنه من النهوض من جديد، متى ما اجتمعت الإرادة الوطنية وتحرّرت مؤسسات الدولة من سطوة المصالح الضيقة.