من الموكب المهيب لجنازة القيادي المؤتمري الشيخ ناجي جمعان الجدري، إلى الموكب المماثل لتشييع القيادي الشيخ زيد أبو علي، وهذان القياديان بطبيعة الحال والمتابعة من أكثر الناس الذين كان لهم مواقف صريحة وغير متذبذبة ومواجهات فعلية مع عصابة الحوثيين الانقلابية.. ومروراً بالتفاعل الكبير جداً مع المقابلة التلفزيونية التي أجرتها قناة العربية مع (مدين) نجل الزعيم الشهيد علي عبدالله صالح.. ثم وصولاً إلى عرس أصغر أبنائه صخر الذي أقيم في القاهرة، وشكل ظاهرة كبيرة، أشعلت تفاعلا منقطع النظير في وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، نظراً للحضور الكبير من قبل اليمنيين، الذين توافدوا سواء من اليمن أو من مواطن اغترابهم في كثير من الدول العربية والأوروبية وأمريكا وآسيا.. من كل ذلك تتأكد الكثير من الحقائق التي لا مجال للجدال فيها أو المراوغة والتنكر لواقعيتها..
كثيرة هي تلك الحقائق التي يمكن استنتاجها والوصول إليها بيقينية شبه مطلقة، وذلك من مستوى التفاعل الشعبي مع هذه الأربع المناسبات أو الأحداث، ولكن لو انتقينا أهمها لضرورات اللحظة الراهنة، فإننا سنختار التوقف عند الحقيقتين الأكثر لفتا للانتباه.. الأولى وتتمثل من الموقف الصريح الذي أصبح يتبناه السواد الأعظم من أبناء الشعب، تجاه جماعة الحوثيين، التي استطاعت ربما في بداية انقلابها خداع البعض بكون ذلك الانقلاب مشروعاً وطنياً ذا غايات وطنية بحتة.. وطلبا للأفضل انساق بعض من أبناء الوطن لذلك الانقلاب الذي حصل تحت لافتات وعناوين وطنية مشبعة بآمال التغيير للأفضل، وتحسين حياة المواطنين..!! ليكتشف الجميع أنهم إزاء مشروع عنصري استئثاري، تنفذه جماعة متمردة استغلت الظرف السياسي المرتبك لحظتها، وبعد تقوية نفسها سرعان ما انكشفت وانكشف فسادها وعفنها الذي عاد على الشعب بأوبئة كثيرة، أبرزها الفقر والفاقة والخوف والتشرد وعدم الاستقرار.. وهذا الحال كان لا بد له من أثر في صفوف أبناء الشعب..
ومهما توارى ذلك الأثر في صدور المواطنين، نظراً للقبضة الأمنية المتشددة من قبل الانقلاب إلا أنه لا يختفي تماماً، ليظهر واضحاً وقويا في الموقف الشعبي العام، تجاه مناسبات وأحداث عامة، كالمناسبات والذكريات الوطنية الثابتة على سبيل المثال، أو في مناسبات وأحداث كالتي ذكرناها أعلاه، والتي شكلت استفتاء شعبياً واضحاً ضد الانقلاب وسوء استخدامه للسلطة التي اختطفها وتصرفاته تجاه الوطن والمواطنين..
من جهة أخرى ونتيجة لكل ما ورد، نجد الحقيقة الثانية تتبدى في الموقف الشعبي الكبير تجاه الرئيس الأسبق علي عبدالله صالح، الذي رحل شهيداً في مواجهة هذا الانقلاب، بعد أن كان قد حذر مرارا وتكرارا من هذه العصابة الإرهابية وأغراض وصولها إلى السلطة المطلقة، على حساب الشعب ومكتسباته من نظام جمهوري ودستور ومفاهيم عصرية كالتعدد وحرية الرأي وحكم الشعب نفسه بنفسه.. وهو ما تأكد بعد اغتيال الجماعة الانقلابية للزعيم بوضوح، والمفاهيم الرجعية والعنصرية والثأرية، التي بدأوا يشيعونها ويروجون لها بعد سقوط الزعيم صالح، كآخر قلعة كانت تعترض البوح بتلك الأفكار الماضوية، إلى جانب الاعتراف المتدرج بالتبعية لمشروع إيران التخريبي الذي يستهدف الوطن العربي عموما..
ولا يخفى عنا أنه بالتوازي مع كل فعالية وحدث يظهر التنامي الكبير، سواء في الخارج أو في الداخل، في موقف الرفض للانقلاب ومشاريعه البعيدة تماما عن المصالح العامة لليمن واليمنيين، بل ويتأكد ذلك في مواقف من كانوا معارضين للنظام في عهد الزعيم الشهيد، وحتى جزء كبير ممن كانوا في صفوف جماعة الحوثيين أو ساندوها، إما طلبا لأوضاع أفضل أو كيدا سياسيا للدولة التي كانت قائمة، والتي لم يعد في اليمنيين اليوم من لا يتمنى عودتها.. أضف إلى ذلك ما تميزت به أسرة الرئيس الشهيد صالح، وتحديدا أبناؤه من توار وإحجام عن السلطة ودروبها عدا العميد والسفير أحمد علي.. فلم يتأذ مواطن يمني واحد من وجود أبناء الزعيم بما فيهم أحمد، على الرغم من قيادته للحرس الجمهوري في عهد أبيه.. وهذا ما أسس ولا يزال يؤسس لقواعد شعبية ومحبة ورضا متبادلين بينهم وبين أبناء الوطن..
ومن كل هذا عموماً.. لا بد من التوقف مليا والإشارة إلى نقطة أساسية هامة وهي أن الأخلاق تظل مقياسا كبيرا ومؤثرا في العلاقة بين السلطة والشعب، وأن التعامل المتزن والمتعقل، مهما وصف بالسلبية من قبل غير العارفين بجوهرية العلاقة المتبادلة بين القيادات وأبناء شعوبها، يمثل قوة يمكنها تجاوز أية قوة مهما كانت معززة بالسلاح والنفوذ والبطش.. وأن محبة الجماهير التي أسس لها الزعيم الشهيد صالح، غير قابلة للتهاوي كما كان يعتقد ويخطط له معارضوه.. بل ستظل في طور التنامي رغم رحيله من المشهد، متمثلة في خلفه، سواء أكان ذلك الخلف سياسياً أو جينياً وراثياً.