يُعدّ قطاع الطيران في اليمن، وتحديداً منذ انقلاب مليشيات الحوثي على السلطة الشرعية في عام 2014، نموذجاً لقطاع حيوي تحوّل من بوابة تواصل عالمية إلى شريان حياة ضيق يكافح للبقاء في ظل الصراع المستمر.
ماضي ذهبي وواقع مأساوي
كانت الخطوط الجوية اليمنية قبل الإنقلاب الحوثي تمتلك أسطولاً أكبر ولديها شبكة خطوط واسعة تربط اليمن بالعالم بالعديد من العواصم العربية والعالمية (مثل لندن، باريس، نيروبي، مومباي وغيرها)، كما كان مطار صنعاء الدولي هو البوابة الرئيسية للبلاد، ويعمل بكامل طاقته لاستقبال الرحلات التجارية والإنسانية.
ولكن منذ سيطرة الحوثيين على صنعاء في سبتمبر 2014، شُلّ قطاع الطيران المدني بالكامل تقريباً، و تعرضت أربع من طائرات "اليمنية" لتدمير كلي وأضرار جزئية بقصف طيران العدو الإسرائيلي بعد تعنت مليشيات الحوثي لبقاء الطائرات في المطار رغم تهديد الكيان الصهيوني لها .
كذلك تسببت المليشيا الحوثية في تقسيم طيران اليمنية بين إدارة شرعية في عدن، وإدارة منتحلة في صنعاء اختطفت عدة طائرات قبل تدميرها في المطار، وقبل ذلك قامت المليشيا بالسيطرة على أصول وأرصدة الشركة في صنعاء، ما أدى إلى تحديات مالية وتشغيلية كبيرة.
وبعد عقود من الأجواء المفتوحة في اليمن، تسبب الانقلاب في توقف خطوط شركات الطيران من وإلى المطارات اليمنية فيما بقيت اليمنية هي الناقل الجوي شبه الوحيد الذي يعمل بانتظام، منطلقاً بشكل رئيسي من مطار عدن الدولي بالإضافة إلى مطار سيئون وتقلصت وجهاتها إلى عدد قليل من المدن الرئيسية في المنطقة، أبرزها القاهرة، عمّان، جدة، ومومباي.
بدائل ما بعد الصراع
أدت أزمة الطيران وضعف "اليمنية" وارتفاع أسعار التذاكر فيها الذي صنفت إلى أعلى تذكرة بالعالم إلى ظهور محاولات لإنشاء شركات طيران خاصة جديدة تعمل من عدن والمناطق المحررة لكسر احتكار "اليمنية" والمساهمة في تخفيف معاناة السفر
أبرز الشركات الحديثة
(Queen Bilqis Airways) الملكة بلقيس للطيران
تُعد شركة الملكة بلقيس للطيران إحدى شركات الطيران اليمنية الخاصة التي ظهرت بعد عام 2014، وذلك بهدف كسر احتكار الناقل الوطني "الخطوط الجوية اليمنية" وتلبية الطلب الهائل على السفر في ظل ظروف الحرب الصعبة، بعد توقف شركات الطيران عن تسيير رحلات من وإلى المطارات اليمنية.
تأسست الشركة في عام 2013، وبدأت رحلاتها التجارية فعلياً في عام 2018، متخذة من مطار عدن الدولي مركزاً رئيسياً لعملياتها. تحمل الشركة رمز النداء (BILQIS) ورمز IATA هو (QA). وقد أعلنت عن وجهات رئيسية تشمل دبي، القاهرة، عدن، وصنعاء (حسب الظروف)، بالإضافة إلى وجهات سابقة إلى الخرطوم وبعض المدن الآسيوية.
لكن الشركة واجهت تحديات كبيرة تتعلق بـ صراع التصاريح، حيث تعرضت لعرقلة في تجديد رخص التشغيل من قبل الجهات الحكومية، مما أدى في فترات مختلفة إلى توقف رحلاتها وعلق مئات المسافرين اليمنيين في مطارات الخارج (كالقاهرة وجدة). ويُشار إلى أن هذه الأزمات تتداخل فيها التجاذبات السياسية والمالية والتنافس على قطاع النقل الجوي، مما يعيق استقرار الشركة ويؤثر بشكل مباشر على قدرتها على تقديم خدمة مستدامة للمسافرين.
طيران عدن: (FlyAden)
تُعد شركة "طيران عدن أحدث إضافة لقطاع النقل الجوي في المناطق الخاضعة لسيطرة الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً.
تم تدشين أولى الرحلات الجوية للشركة من مطار عدن الدولي إلى مطار القاهرة الدولي يوم الإثنين الموافق 27 أكتوبر 2025 وهي تابعة لـ مجموعة القطيبي التجارية، وهي مجموعة استثمارية خاصة يمنية (وقد أعلنت الشركة عن خصومات مبدئية بمناسبة التدشين)
بدأت الشركة عملياتها بطائرة مستأجرة من طراز بوينغ B-737-800
بدأت الشركة برحلات منتظمة إلى القاهرة (مصر)، وتعتزم الإعلان قريباً عن جدول رحلات منتظم يشمل عدداً من الوجهات الإقليمية والدولية الأخرى.
وتخطط الشركة أيضاً لربط عدن بالمدن الرئيسية داخلياً
البحث عن بدائل لمطار صنعاء: المعاناة الإنسانية
أدى تعرض مطار صنعاء للقصف واستخدامه لأغراض عسكرية إلى إخراجه عن الجاهزية في مناسبات عدة، مما حوّله إلى نقطة ضغط في الصراع.
والبدائل الحالية مطار عدن الدولي و مطار سيئون الدولي هما البديلان الرئيسيان اللذان يعتمد عليهما اليمنيون حالياً للسفر الدولي، مما يفرض عليهم معاناة السفر براً لمسافات طويلة ومرهقة عبر خطوط التماس للوصول إليهما.
وفي فترات الهدنة، يتم السماح لبعض الرحلات التجارية أو الإنسانية بالهبوط في صنعاء لتخفيف المعاناة، لكن ذلك يظل خاضعاً للتوترات السياسية.
إن التعافي الكامل لقطاع الطيران اليمني، وضبط أسعاره ومواعيده، لن يتحقق إلا بـ تسوية سياسية شاملة تنهي الانقسام، وتفتح جميع المطارات أمام حركة الطيران التجاري، وتسمح بعودة الأجواء اليمنية إلى سابق عهدها كـ بوابة حقيقية ومفتوحة على العالم، لا كساحة صراع تقيد فيها أجنحة الحياة.