في بلدٍ مُنهكٍ بالأزمات المتراكمة التي تحيط بالجميع في بلادنا الحبيبة من كل حدبٍ وصوب، وما تركته من واقع أليم على حياة المواطن منذ سنين، تبرز أكبر معضلة ترهق أبناء المؤسسة العسكرية والأمنية ألا وهي "خصميات رواتب العسكريين" والتي أصبحت هاجساً يُطارد الجنود وعائلاتهم مع كل راتب يُصرف.
فبين معاناة الحياة وغلاء الأسعار وتدهور الخدمات، يجد الجندي نفسه أمام خصميات واستقطاعاتٍ وممارساتٍ غير قانونية تمسّ حقه الأصيل في راتبه الذي ينتظره منذ أشهر مع أزمة تأخر المرتبات، والعجيب أنها تستقطع وتُخصم لجيوب قادة الألوية وحساباتهم البنكية، ويجري هذا الأمر علناً أمام مرأى ومسمع الجميع من الرئيس وحتى أصغر مسؤول وموظف في الدولة، ودون وجود مبرر أو أدنى مسوّغ قانوني.
وفي وقت من المفترض أن يكون شعار قادة الألوية "راتب الجندي حقٌ لا يُمس"، أصبح وللأسف مناسبةً وعيداً للنهب والسلب وجرحٌ مفتوح يطال الجنود وأسرهم. وصار الراتب للجندي بدلاً من أن يكون مصدر فرح وسرور تحول إلى راتبٍ مبتور، ونسِي وتناسى هوامير الفساد وعشاق الخصم والاستقطاع أن هذه الخصميات ليست مجرد أرقام تُقطع، بل هي أحلام تُجهَض، وكرامة تُجرَح، وثقة تُفقَد.
إن خلف هذه الخصميات التي تستهدف الجنود تكمن مأساة إنسانية تتنافى مع كل معاني العدل والإنصاف، خاصةً مع رواتبهم الهزيلة أصلاً. فمع انتظارهم لراتب لا يكفي لسد رمق جوع أسرهم بعد أشهر من التأخير، يُفاجَؤون بـ (راتبٍ مبتور) من قيادات تستغل نفوذها ومواقعها لتُمرر خصومات قاسية وغير مبررة.
وفي كل مرة ومع كل ما يقوم به قادة الألوية من خصميات ظالمة في مرتبات الجنود، نسمع صرخات بلا صدى، ونرى طعنات في الظهر تطال مصدر العيش من الداخل. فإلى متى سيظل الجندي هكذا؟
إنها مأساة تستدعي ضميراً حياً وتتطلب وقفة حازمة لإنصاف هؤلاء الرجال، فهل من مستجيب؟!