يقال أن لكل مشكلة حلاً ولكل أزمة انفراجة، إلا أن الأزمة اليمنية لم تنطبق عليها تلك المقولة.. وذلك ليس لأن هذه الأزمة معقدة كما قد يوحي هذا الاستثناء، ولكن لأن وراء تفاصيلها وفي تراوحها ومناوشاتها، ما يكشف عن تحكم عمدي للترتيب والتخطيط لها، ثم إعلانها في البدء كأزمة، ثم خلق وابتكار أدوات وأسباب استمرارها كل هذا القدر من الوقت، واستهلاكها كل هذا الحجم من الوقود الثمين، المتمثل في المقدرات والأرواح والأمن والاستقرار..!!
وللعلم فإن المشكلات والأزمات المفتعلة والمخطط لها، ليست كالأزمات والمشكلات العرضية الخارجة عن التحكم، فهذه قد تكون نوافذ حلولها مشرعة، واحتمالات انتهائها طليقة كظباء البرية، يمكن مطاردتها واقتناصها في أية وهلة أو قد تأتي انفراجاتها من تلقاء نفسها، إذا ما عرفت أسبابها وعولجت عوامل اندلاعها.. على عكس تلك الأزمات المخطط لها في غرف السياسة والاستراتيجيا المحكمة، فإن نهاياتها وحلولها تظل حكراً على من خطط لها ووقفاً على تحقق الأهداف المرجوة منها.
وهو ما ينطبق تماماً على حال الأزمة اليمنية.. فمنذ انطلقت هذه الأزمة بالتزامن مع إعصار ما يسمى بالربيع العربي، وآفاقها مظلمة أو محجوبة بفعل فاعل أو فاعلين، أرادوا لها أن تكون كذلك.. أزمة لم يبشر أي من تحولاتها أو متوالياتها في لحظة ما حتى بمجرد إشاعة حول انفراجها، وإن وجدت إشاعة سرعان ما يجري دحضها وتفنيدها، وكأن هناك من يخشى وجود مجرد أمل في انتهاء أتون هذه الأزمة أو اقترابها من أية احتمالات أو حلول على أرض الواقع..
ولو راجعنا شيئاً من دوال ذلك للاحظنا، على سبيل المثال، أن مشاريع الحوارات والمشاورات المزعومة طوال فترة الأزمة، حرصت كل الحرص في شتى التجارب والمراحل، على ألا تكون مشاورات مباشرة بين الأطراف وممثليها، وإنما عبر وسائط ووسطاء يمثلون عادة غرفة مركزية لإدارة هذه الأزمة والتحكم فيها، أو أنهم أي الوسطاء يتبعونها وينفذون في الغالب إملاءاتها، والتي تصب عادة في مجرى الفشل والإفشال، أو تساعد على إطالة الأزمة والذهاب بها باتجاه المناطق الأكثر سوداوية وإبهاماً، أكثر مما تبحث في حلولها وسبل إنهائها..!!
وفي الأخير سنجد وقد وجدنا أنفسنا نتلفت وسط ظلام دامس، حد أننا لا ندرك اتجاهات ذلك التلفت، ونتحرك خبط عشواء لنصطدم ببعضنا البعض، لا نعرف كيف وصلنا ومن أوصلنا إلى قلب هذا الظلام الموات.. ندور في حلقات مفرغة مرسومة لنا أو مبنية جدرانها لتحيط بنا، داخل مأزق لا نعرف ماهيته ولا كيفية الخروج منه.. وهذا بالطبع لا يعفينا من مسئولية الاستجابة السلبية والوقوع فيه، مع إمكانية تجنب ذلك، ولا من مسئولية إيقافه كلما دام ذلك ممكناً.