آراء

كيف فكر الرئيس صالح في دواعي الميثاق والمؤتمر؟(4)

فيصل الصوفي

|
03:39 2020/08/24
A-
A+
facebook
facebook
facebook
A+
A-
facebook
facebook
facebook

نعم، كانت لجنة الواحد والخمسين نخبة، تمثل أحزابا وتيارات فكرية واجتماعية وعسكرية وعددا من المستقلين كما بينا في المقال السابق، لكن مضامين الميثاق الوطني في صيغته النهائية ليست كلها من بنات رؤوس تلك النخبة، كما سنرى بعد قليل.

 

 لقد كانت مهمة هذه اللجنة ليس فقط تطوير مسودة مشروع الميثاق الوطني استنادا إلى خبرة رجالها، بل أن تشرع في تقصي آراء ووجهات نظر الجمهور أو المواطنين حول مجمل القضايا الأساسية التي تهم الوطن والتعرف على تطلعاتهم وتصوراتهم حول الحكم والإدارة والسياسة العامة، من خلال طرح مشروع الميثاق الوطني المعروض عليها، حيث تم توزيع نسخ من المشروع على المواطنين باعتباره ورقة عمل قابلة للتعديل والتغيير وفق المنطلق الأساسي للمشروع من خلال تقصيها لآراء، ووجهات نظر المواطنين ولقاءاتها مع مختلف القوى والفئات والعناصر الوطنية.

 

أوجب القرار الذي أصدره الرئيس علي عبد الله صالح، على هذه اللجنة إعداد استمارات تتضمن أسئلة ومساحات لإبداء الآراء ووجهات النظر حول مجمل القضايا والأسس الفكرية التي يجب أن يتضمنها الميثاق، وأن تشكل اللجنة الرئيسية أية لجان فرعية، سواءً من بين أعضائها أو من غيرهم، ترى ضرورة تشكيلها بهدف مساعدتها في عملها، وفي التعرف على آراء المواطنين ومقترحاتهم حول مشروع الميثاق، على أن تتولى مسئولية توجيه تلك اللجان وتحديد صلاحياتها، وكان يتعين أن يترأس كل لجنة من اللجان الفرعية التي تقوم بتشكيلها، عضو من أعضاء لجنة الحوار الوطني والتهيئة لعقد المؤتمر الشعبي.. ثم بعد هذه العملية تولت اللجنة فرز وتلخيص نتائج الحوار الشعبي من خلال حصر ردود المواطنين على الأسئلة والاستفسارات المقدمة إليهم في الاستمارات الموزعة عليهم، وجمع حصيلة الحوار الذي قامت بإجرائه مع مختلف القوى والعناصر الوطنية بهدف الاستهداء بذلك كله في وضع الصيغة قبل النهائية لمشروع الميثاق الذي سيتم عرضه على مؤتمر شعبي عام لمناقشته وإقراره.. وقد تعين على اللجنة بكامل أعضائها أن تتحول إلى لجنة صياغة لكل ما توفر بين يديها، وترفع ما توصلت إليه بعد انتهائها من مهمتها قبل الأخيرة- وضع الصيغة قبل النهائية لمشروع الميثاق الوطني، إلى رئيس الجمهورية ليقوم بدوره بتوجيه الدعوة لعقد مؤتمر شعبي عام، كما كان على اللجنة رفع التوصيات التي تتوصل إليها حول المؤتمر.

 

 

لقد عقدت لجنة الحوار الوطني أول اجتماع لها في 21 يونيو 1980، وترأس الاجتماع رئيس الجمهورية نفسه، ولمزيد من التوضيحات حول مهامها، وضرورة مأسسة عملها، ليكون أداؤها منظما ومنضبطا، وأن تعمل من خلال عمل الفريق، سواء هي أو ما سيتفرع عنها من لجان، ونبه اللجنة أن الاجتهادات الشخصية خارج الضوابط المحددة غير مطلوبة، ومن المهم معرفة أراء وأفكار القطاعات الشعبية ليأتي الميثاق الوطني معبرا عن الواقع.. ثم انتخبت اللجنة من بين أعضائها المقرر وأعضاء أمانة السر، وبدأت النقاش حول مسودة المشروع  السابق بهدف الوصول إلى الحد الأدنى من الفهم المشترك للأسس الفكرية والقضايا الأساسية التي تضمنها، كما قررت اللجنة تشكيل خمس لجان متفرعة منها، واختارت رؤساءها وأعضاءها بالتصويت وهي: لجنة تنظيم الحوار - اللجنة الاقتصادية والسياسية - اللجنة الثقافية والاجتماعية والتاريخية - لجنة فرز وتبويب الآراء- لجنة الصياغة.. ونشير هنا إلى أنه كان في البداية قد برز داخل لجنة الحوار الوطني اتجاهان: الأول يرى تنظيم مؤتمر عام يتولى إقرار مشروع هذا الميثاق، والاتجاه الآخر كان يرى عرض مشروع الميثاق على المواطنين في استفتاء عام.. وفي النهاية تم الاتفاق على الأخذ بالخيارين معاً، حيث عرض المشروع للاستفتاء الشعبي من خلال مؤتمرات شعبية مصغرة، واستمارات استبيان لاستطلاع  رأي الجمهور، وبعد أخذ رأي الجمهور واستيعاب آرائه ومقترحاته، يتم إقراره من قبل مؤتمر شعبي عام سيشارك فيه 1000 عضو من مختلف مناطق الجمهورية، كما سنبين لاحقا..

وبعد هذا التوضيح نستأنف ما بدأنا به، ونقول إنه عقب تلك العمليات الإجرائية التي قامت بها لجنة الحوار الوطني، وبعد الأخذ بالخيارين المذكورين، وضعت هذه اللجنة خطة عمل ذات أربع مراحل: المرحلة الأولى وضع اللائحة الداخلية المنظمة لأعمالها، الثانية خطة تنظيم الحوار العام المباشر مع المواطنين، الثالثة إعداد استمارة استطلاع الرأي حول مشروع الميثاق، وكانت تلك الاستمارة مكونة من 16 صفحة تحتوي 32 سؤالاً موجهه للمواطنين حول كل باب من أبواب مشروع الميثاق، ووزع منها أكثر من 200 ألف استمارة إلى جانب أكثر من 100 ألف نسخة من مشروع الميثاق، وشكلت لهذا الغرض 26 لجنة فرعية للحوار المباشر يرأس كل لجنة عضو في لجنة الحوار الوطني أنيط بها الإشراف على عقد مؤتمرات مصغرة للحوار في مناطق مختلفة من البلاد خلال المدة الزمنية 19 ديسمبر1980 – 4 يناير 1981، وبلغ عدد هذه المؤتمرات 250 مؤتمرا شعبيا، ومن بين هذه اللجان كانت هناك لجنة واحدة تولت استطلاع رأي المغتربين في الخارج.. أما المرحلة التالية وهي الأطول زمنيا، فتمت خلال الفترة 17 فبراير 1981 - يناير 1982، وبدأت باجتماع عقد بالعاصمة بحضور جميع اللجان الفرعية التي تولت بعد ذلك عقد وتنظيم المؤتمرات الشعبية المصغرة في النواحي لاستطلاع آراء المواطنين حول مشروع الميثاق، وعقد منها 250 مؤتمرا كما ذكرنا قبل قليل، جرى فيها حوار مباشر، وتم تدوين الآراء على الاستمارات التي عادت بها اللجان إلى العاصمة، لتبدأ بعد ذلك عملية تفريغ المعلومات المدونة في الاستمارات، وتوزيعها حسب الأبواب التي تكون منها الميثاق، وفي نهاية هذه المرحلة كتبت الصيغة قبل النهائية لمشروع الميثاق، ويوم 23 مارس 1982 رفعت لجنة الحوار الوطني الرئيسية رسالة إلى رئيس الجمهورية، مصحوبة بمشروع الميثاق، وتقرير مطول فصلت فيه ما قامت به بحيادية، وفي جو ديمقراطي خالٍ من كل مظاهر الضغط والتأثير والإملاء، لأي موقف أو رأي،  منذ بداية تشكيلها، وتفاصيل حول المراحل والمهام التي سبقت الإشارة إليها قبل.. وبعد اطلاعه على مشروع الميثاق وذلك التقرير، أثنى الرئيس على اللجنة، ووجهها باتخاذ التدابير اللازمة للتهيئة لعقد مؤتمر شعبي عام ينظر في مشروع الميثاق ويقره، وقال في الرسالة التي وجهها يوم 31 مارس لرئيس وأعضاء اللجنة: وفي هذا الصدد لا ننسى أن نقف وقفة تقدير لدقة وديمقراطية العمل الذي قامت به لجنتكم واللجان الفرعية في استقراء واستبيان رأي الشعب، عبر التحرك الواسع بين صفوف جماهير شعبنا اليمني، والتي كانت المؤتمرات الشعبية المصغرة في كل مناطق الجمهورية صورة مشرفة للعمل الديمقراطي الذي أملاه شعبنا، وجاء وفقاً لخياراته دون فرض من أحد أو ضغط من أية جهة، فهو بشهادة شعبنا، وشهادتنا مع الشعب، ثمرة حية ناضجة لمناخ الحرية الذي يتمتع به وطننا وشعبنا.. وأنه - مواصلة منا لنفس المسيرة الثورية التي اختارها الشعب وارتضاها، ولمزيد من تأكيد الديمقراطية، وتعزيز قوة الوحدة الوطنية - قررنا تكليفكم بمهمة الإعداد والتحضير للمؤتمر الشعبي العام لٌإقرار الميثاق الوطني، على أن يتم في أقرب وقت ممكن خلال هذه السنة التي سوف يحتفل فيها شعبنا بالعيد العشرين لثورته السبتمبرية، وإني لواثق ثقة كاملة بأنكم سوف تعطون هذه المهمة كل الجهد والطاقة والحيوية التي أعطيتموها في تنفيذ المهمة السابقة، باعتبار أن المهمتين متلازمتان، وتخدمان هدفاً ديمقراطياً ووطنياً واحداً، يعتبر من أهم أهداف ثورتنا العظيمة وأغلى غايات شعبنا اليمني المكافح، مؤكداً لكل شعبنا اليمني بأننا سنكون على الدوام حريصين كل الحرص على مواصلة تجسيد أهداف الثورة وتحقيق غايات الشعب والتفاعل مع خصوصياته، وسوف نعمل على توفير كل أسباب النجاح لمهمتكم".. في المقال التالي سنرى كيف تم إقرار الميثاق الوطني.

جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية
جميع الحقوق محفوظة © قناة اليمن اليوم الفضائية