ذرفت دمعة فرح ل"كامالا هاريس " نائبة الرئيس الأمريكي ال 46 " جون بايدن " . في سريرتي تساءلت : كيف ان أمرأة من جيلي الخمسيني وقد صارت محل اهتمام وإلهام ملايين البشر ؟ .
وأضفت وبقسوة : لو ان أُمُّها الهندية "شيامالا كوبان " عالمة سرطان الثدي ، أو والدها ذو الأصل الأفريقي الجاميكي " دونالد هاريس " استاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد لم يهاجران إلى أمريكا مطلع ستينات القرن الفائت ؛ فهل كنا سنرى ابنتهما وقد بلغت مكانة لم تسبقها إليها امرأة .
فمنذ عهد " جورج واشنطن " الأب الروحي للاستقلال والديمقراطية ، قبل قرنين ونيف، والبيت الأبيض حكرًا على الأبيض وعلى الذكور ، وإلى أن كـُسرت هذه القاعدة بوصول اوباما وهاريس .
فهذه البلاد الجديدة التي توازي مساحتها قارة بكاملها ، والمتشكلة من أثنيات مختلفة ولغات متعددة وسحنات بلا حصر ، كانت والى وقت ولادة " كامالا هاريس " في أوكلاند ، بكاليفورنيا يوم 20 اكتوبر 1964م ؛ تُحرِّم جلوس ذوي البشرة السوداء في مقعد حافلة أو مطعم ، او شغل وظيفة مرموقة كانت مدنية أو عسكرية .
وبرغم معاناة طفولتها من عنصرية فجَّة ، وكذا من انفصال والديها ، إلَّا أنها لم تقهر او تستلم، بل قدر لها بلوغ مكانة سياسية واجتماعية بفعل دراستها في جامعة هوارد ، وكلية الحقوق بجامعة كاليفورنيا ، ومن ثم نشاطها كمحامية صلبة وكسياسية في الحزب الديمقراطي .
كانت أخر وظيفة شغلتها ، مدعية عامة لولاية كاليفورنيا ، وإلى ان فازت بمقعد سيناتور في مجلس الشيوخ عن الولاية ذاتها في يناير 2017م ، لتصبح ثالث امرأة امريكية ، وثاني امريكية أفريقية ، وأول امريكية افروأسيوية كنائب للرئيس في انتخابات 2020م .
نعم ، ذرفت دمعة فرح وحزن في ذات الأثناء، غبطة سرور برؤية أمرأة سمراء تصل لسدة البيت الأبيض المهيب الذي يرنو له ويخضع اغلب حكام القارات الست
أمَّا حُزني، فمرده حالنا البائس ، فمجتمعاتنا لم تتحرر بعد من ربقة عبوديتها ، وفقرها ، واستغلالها البشع والقاتل من قبل الجماعات الدينية والقبلية والجهوية المتصارعة على الحكم . فمنذ قرون خلت والى اللحظة الراهنة ومازلنا في خضم تناحر عنيف ، ولا يبدو أنه سينتهي ، ما بقيت بواعثه وافكاره قائمة وتعيد انتاج ذاتها وبشكل عبثي صادم ومحبط وغير لائق باناس ينتمون لحقبة الألفية الثالثة.
فبرغم أن اوطاننا سبقت امريكا واوروبا انثربولوجيا ، ومع سبقها هذا لم تتخلص مجتمعاتها من عاهاتها وامراضها المزمنة القاتلة لروح استقرارها وازدهارها وتعايشها وتطورها .
قولوا ما شئتم في امريكا وتاريخها ورؤسائها وجبروتها ؛ لكننا جميعا لن نستطيع دحض فكرة الاعجاب بها كدولة عظيمة حاضرة بقوة اقتصادها ونفوذها وتأثيرها . كما ولسنا في مقام من ينفي حقيقة أنها بلد الفرص والمغامرات والإلهام ، وعلى سوءة ما تفعله الجماعات العنصرية الراديكالية المتشبثة بافكارها وسلوكياتها .