الوطن أكبر وأكثر اتساعا من أن نستبدله بالأوهام أو أن نحبسه في قمقم ونضعه في جيب وصي أو دعي أو فئة أو جماعة.. ومعاناة الشعب اليمني بلغت حدودا لم يكن يتخيلها أكثر المتشائمين أو يحلم بها أشد المبغضين في يوم من الأيام.
معاناة يعيشها كل اليمنيين دونما استثناء ويفرض علينا واقع الحال اليوم أن نتوقف عن المكايدات والمماحكات والهروب عن تحمل مسئوليتنا وتبرير فشلنا من خلال توجيه وكيل الاتهامات والبحث عن متهم نحمله المسئولية ومن ثم إصدار أحكام تجيز لنا اعدام وصلب من نشاء وإبقائه معلقا في مشانق التاريخ.
لسنا في حاجة اليوم لفعل كل ذلك بقدر ما نحن في حاجة لأن نعترف بأننا جميعا تسببنا وساهمنا في إيصال البلاد إلى هذا الواقع المرير، الذي يحتم علينا الواجب توحيد أهدافنا وجهودنا والتعامل مع ما نعيشه من أحداث بعقلانية ومنطقية، إن كنا فعلا نريد الخروج من هذا المستنقع الذي أدخلتنا فيه مليشيات إيران وإيجاد حلول ومعالجات حقيقية ننتصر فيها لليمن أرضا وإنسانا..
اليوم وفي ظل تعدد الخنادق والجبهات وتعدد الأهداف والأجندات وظهور الكثير من المشاريع الصغيرة التي يستغل أصحابها والمروجين لها نجاح مخططاتهم التي استهدفت إضعاف الخندق الوطني المدافع عن الجمهورية والوحدة ونجاحهم في تغييب الإرادة الشعبية لإبراز مشاريعهم الصغيرة كبدائل للمشروع الوطني الكبير الذي يتكالب عليه اليوم الكثير من الطامحين والطامعين والمتربصين وينتظرون لحظة انهيار الوطن وتمزقه ليرسموا خرائط أحلامهم الصغيرة وأوطانهم المسخ واستبدال الحقيقة والوطن الكبير بالقليل من الزيف والأوهام..
قبل عدة أيام وبعد سنوات الحرب والفوضى وغياب الدولة وصل عضو مجلس القيادة الرئاسي العميد طارق صالح إلى تعز ليس ليدشن أو يضع حجر أساس لعدة مشاريع انمائية أو ليمنح أبناءها وعودا مستقبلية تخفف معاناتهم وتنسيهم سنوات من الوجع والمعاناة التي عاشوها في ظل غياب الدولة وإنما ليعلن تدشين المشروع الوطني الأكبر المتمثل في توحيد الصف والترفع عن الخلافات والمكايدات السياسية وتناسي جراحات الماضي والاصطفاف في خندق الجمهورية والتوحد من أجل استعادة الدولة ودحر المليشيا الحوثية التي تستمد بقاءها من خلافات وتباينات الصف الجمهوري.
وترجمة لمثل هذه الدعوات التي تؤكد ضرورة توحيد الصف والخندق الجمهوري يجب علينا جميعا، سياسيين وعسكريين وإعلاميين ومثقفين أن نتوقف عن المناكفات والمكايدات والترفع عن الخلافات وإدراك أن انجرارنا وراءها أبقى فتيل العداء والصراع مشتعلا خلال السنوات الماضية، وحتى وإن كان انجرارنا خلفها ينبع من واقع حرصنا وحبنا للوطن واعتقادنا بأن ما نصنعه يصب في مصلحة المشروع الوطني ويدافع عنه، إلا أن ما فعلناه كان بمثابة خنجر في خاصرة المدافعين عن الوطن ولم يكن يخدم قضيتنا بقدر ما ظل يخدم أصحاب المشاريع الصغيرة التي تستهدف وطننا اليمني ووحدتنا وهويتنا وأحلامنا وحاضرنا ومستقبلنا.