نحن، ككادحين، لم نعش دمار ثمان سنوات حرب فقط، ولم نتجرع وبال حرب عسكرية ضيعت وطنا وحسب، بل حوربنا بشتى وبأقسى أنواع الحروب، حوربنا بأمننا وأماننا، حوربنا بلقمة عيشنا، نزحنا، تشردنا تشتتنا في الفيافي والقفار، وتسلط علينا وعلى بلادنا قوم جاؤوا من أدغال الموت وكهوف التخلف، كمموا الأفواه وحاصروا الناس، جوعوهم وأهانوهم، وبتنا مهددين في الحياة والعرض والدين والوطن.
وما حدث للشهيد المكحل وما أحدثته شجاعته ورفضه للقمع والاضطهاد، من ردة فعل جمعية، لم يعبر فقط عنه كشخص واحد، بل عبر عن مكنون ملايين اليمنيين الذين يعيشون الظلم والتجويع، وعيشة صارت كأنها الجحيم، زادت فيها المظالم، ولم يعد بمقدورهم سوى الانفجار والتعبير عن آلامهم وأنينهم في واقع لم يرحم المتعبين.
إنها ليست مأساة مكحل واحد، بل معاناة كل المواطنين الواقعين تحت سيطرة شرذمة الحوثي، الذين قمعوا الحياة والحريات، وفرضوا همجية البنادق والديكتاتورية والاعتقالات والسجون التعسفية
شرذمة سيطرت على مفاصل البلاد بالقوة دونما استحقاق ودونما مسوغ قانوني يجيز لهم العبث بكل مقومات الدولة ،التي تعدوا على منهجيتها ومعطياتها وقلبوها رأسا على عقب، وتعدت على كل الأطر الشرعية وقفزت قفزًا صارخًا على كل العهود والمواثيق الإنسانية أولًا، والسياسية ثانياً، والأخلاقية ثالثًا، والمصيرية رابعًا ، ورجعوا بنا قرونًا لحكم الرجعية والاستعباد.
قتلوا المكحل بعد أن ضاق من الكبت والصمت وعرى عنجهيتهم وظلمهم، ومن بعده سيأتي مليون مُكحل آخر ولن يستمر الصمت طويلا. فقوم كهؤلاء يستحيل عليهم أن يبنوا وطناً أو يؤسسوا للعدل والحق والمساواة وينشؤوا دولة مؤسسات حقيقية.
قتلوه، ونحن لا نريد من بعده مواساة وشعارات زائفة. وأهل المكحل أيضًا لا يريدون راتبًا اوتضامنًا من قيادات الشرعية، بل إن جميع اليمنيين يريدون منهم توجهًا حقيقيًا وجادًا لإنهاء الحرب والقضاء على هذه المليشيات وإحلال الامن والاستقرار بعيدا عن أهل الكهوف والقتل هؤلاء.
لا يزال فينا بصيص أمل وثقة في أن هذا الوطن مازال فيه من الشرفاء الكثير، القادرون على حمايته واسترداد وجهه المشرق، فمازال نبض قلوبهم و قلوبنا جميعًا يمنيًا.
وحماك الله يا يمن، ورحم الله الُمكحل.